متسلّحاً بالأرقام وبالرسوم البيانية الإيجابية، دافع وزير السياحة أفيديس كيدانيان بشراسة عن القطاع السياحي اللبناني والأقاويل التي تتسرّب عبر وسائل الإعلام من هنا وهناك. فهو يقود قافلة السياحة رغم عواصف “قبرشمون” العاتية التي لم تُدخل السياحة فقط في الجمود بل البلاد بأكملها خلال تموز المنصرم، الا أن تردداتها لم تنته ولكنها تقلّصت، ما سيطلق العنان لسياحة آب الجاري ويرفع سقف السيّاح خصوصاً في عيد الأضحى الذي سيحلّ ضيفاً مرحبّاً به يومي الأحد والإثنين

انطلق الوزير أفيديس كيدانيان خلال حديثه المفعم بالتفاؤل إلى “نداء الوطن” من العام 2010 للبناء عليه ومقاربته، كونه الأفضل سياحياً منذ نحو 50 عاماً قبل ان يدخل وضع القطاع السياحي في أزمة كبيرة لفترة ستة أعوام بدأت في 2011 وانتهت في 2017

أما العام 2018، يوضح كيدانيان، “فشهد تحسّناً، وانسحب هذا الوضع الى 2019 وتحديداً الى الأشهر الستة الأولى، قبل أن تحلّ حادثة قبرشمون ضيفاً غير مرحب بها، وتحدّ من النمو”. لكنه يتابع: “رغم كل ذلك شهدنا زيادة في أعداد الوافدين الى لبنان باستثناء المغتربين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين

ويتوقّع كيدانيان “تحقيق نمو في عدد الوافدين بنسبة 8% خلال 2019 عن العام 2018، وفي حال استمر النمو في منحاه المرتفع في الفترة ما بين شهري آب وكانون الأول قد تزيد النسبة الى 10 في المئة للعام الحالي

ووفقاً لتلك المعادلة، لم تتغيّر توقعات كيدانيان التي أطلقها قبل بدء موسم اصطياف 2019 ويقول: “كانت توقعاتي ولا تزال أن 2019 سيكون الأفضل سياحياً مقارنة طبعاً مع 2010 اذ أن أرقام الوافدين الى لبنان وقتها بلغ 2.168 مليون وافد، والمداخيل من السياحة المباشرة وغير المباشرة وصلت حينها الى 8 مليارات دولار

ومقارنة مع العام 2018 يشرح كيدانيان: “وصلنا الى 1.963 مليون سائح وأعلنا ان هذا الرقم هو الأفضل بعد 2010 ، وكانت تقديراتنا للسنة الجارية أن يتخطى النمو السياحي نسبة 10% عن 2018 اي بزيادة بنحو 200 ألف وبالتالي نصل الى الأرقام المحددة في 2010

وبالنسبة الى الأشهر الستة الأولى من العام الجاري تخطت نسبة نمو الوافدين الـ 8 في المئة مقارنة مع 2010 باعتبار أننا تخطينا في أشهر كانون الثاني ونيسان وحزيران أرقام العام 2010، بعد رفع الحظر من الدول الخليجية عن قدوم رعاياها الى لبنان ما عدا الإمارات

وفي ما يتعلق بالسياّح الأوروبيين يقول كيدانيان: “نجحنا في رفع أعدادهم في العام 2018 الى 700 ألف سائح من 550 ألفاً في 2010 أي بزيادة نسبة 35% تقريباً

حزيران

أما شهر حزيران بمفرده، يتابع كيدانيان، “فشهد نمواً بنسبة 17،53% في الوافدين الى لبنان مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2018. لكن حادثة قبرشمون في 31 تموز وتداعياتها السياسية أدت الى تخييم الجمود على الأسواق السياحية لفترة 20 يوماً

ويضيف: “في تلك الفترة لم نشهد أي إلغاء في الحجوزات عبر شركات الطيران أو الفنادق، لكن لم تحصل حجوزات إضافية، وبالتالي الرقم الذي سجّل في تموز 2019 في عدد الوافدين مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي كان فقط 7% بدل أن يكون17% على غرار حزيران 2019

وبالنسبة الى عدم توافد السعوديين والكويتيين الى المناطق الجبلية لا سيما عاليه وبحمدون وصوفر، يؤكد أن”من كان ينوي القدوم الى المناطق الجبلية تلك تردّد، خصوصاً وأن نشرات الأخبار أعطت مساحة كبيرة للحادثة ونقلت صوراً أثرت في السائح الخليجي والعربي الذي يتابع اعلامنا، فانعكس الجو العام جموداً، ما لبث أن تحلحل مع نهاية تموز اذ من كان متردداً حسم أمره وحجز،علماً أن العربي والخليجي معروف عنه أنه يحجز قبل 10 أو 15 يوماً من موعد سفره وليس كما يفعل الأوروبي يخطط ويحجز قبل ستة اشهر. وبذلك من حجز جاء بعد الحادثة ومن لم يحجز لم يأت

وفي ما يتعلق بشهر آب، يشير كيدانيان الى أنه شهر الأعياد وخصوصاً الأضحى وبالتالي مع بروز بوادر حجوزات جديدة للفنادق والمطاعم وشركات تأجير السيارات نتوقع ان يكون آب أفضل من تموز

إشغال الفنادق

ويلفت كيدانيان الى أن “نسب الإشغال في الفنادق في شهر تموز بلغت 68.7% في فنادق خمس نجوم، و80% في فنادق 4 نجوم، و 60% في فنادق 3 نجوم وهذه نسب ممتازة

وعن جنسيات المقيمين في الفنادق يشرح كيدانيان ان “المقيم هو السائح العربي والخليجي أبرزهم المصري، السعودي، العراقي، الأردني، الفرنسي، الانكليزي، الالماني، الإسباني، الإيطالي والسويد

تدنّي الإشغال

وفي ظل الأرقام الإيجابية التي يتكلم عنها الوزير، تطرح تساؤلات عن سبب تدني نسب إشغال الفنادق؟ عن ذلك يشير كيدانيان الى أنه انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة الـ

AirBNB

، فبات بإمكان اي كان الحجز الكترونياً لتمضية ليلة واحدة أو ليال عدة في شقق مفروشة متواجدة في كل المناطق اللبنانية. حتى في المناطق الجبلية انتشرت ظاهرة بيت الضيافة

Maison d’hote

وهو عبارة عن منزل قديم يتمّ ترميمه ويحصلون على رخصة من وزارة السياحة لتأجير الغرف المتواجدة بداخله مع مطبخ مشترك. هذا الأمر ساهم في خفض نسبة الإشغال في الفنادق

الفنادق الجبلية

وبالنسبة الى الحجوزات في الفنادق الجبلية التي تئن من قلة الخليجيين يجيب كيدانيان: “عادة عندما تكون نسبة الإشغال 100% في فنادق بيروت كما حصل في العام 2010، فإن الإشغال يتمدد الى فنادق المناطق الجبلية. لذلك فمناطق بيروت لا تشهد إشغالاً تاماً ما ينعكس سلباً على الفنادق الجبلية ويجعلها تئن من قلّة الإشغال، الأمر الذي شكّل ايضاً سبباً اضافياً في خفض نسب الإشغال

وبالأرقام فإن فنادق الـ 5 نجوم خارج بيروت سجلت إشغالاً بنسبة 48% في حين تدنت النسبة الى 43،5% في فنادق الـ 4 نجوم حتى أنه يوجد 23% و4% في بعض الفنادق، في ضبيه وصلت نسب الإشغال لدى البعض الى 77%، وفي برمانا الى 83% في فندق وفي آخر الى صفر في المئة ليوم واحد، من هنا يتبين لنا أن الفنادق خارج بيروت تعاني من أزمة خصوصاً تلك التي لا تروّج لنفسها الكترونياً

ارتفاع تذاكر السفر

وعن تاثير ارتفاع الرسوم على تذاكر السفر للمغادرين من الأراضي اللبنانية، يقول: “إن الرسوم على التذاكر السياحية (الدرجة الإقتصادية) لم ترتفع بل طاولت تذاكر رجال الأعمال وغيرها، لذلك فلن تؤثر كثيراً خصوصاً اذا ما اعتمدنا سياسة الأجواء المفتوحة. على سبيل المثال، على خط طيران لبنان فرنسا ذهاباً واياباً هناك 4 شركات طيران تعمل على هذا الخط: الميدل ايست واير فرانس (شركات خمس نجوم) وهناك شركتا ايكلازور وترازافيا التي تتراوح اسعار تذاكر سفرهما بين 400 و500 دولار الا ان مستوى خدماتهما أقلّ. هذا الأمر يحفّز المنافسة ويخفّض أسعار التذاكر. علماً أننا في لبنان لا يمكننا أن نستوعب أكثر من مليوني سائح ولا يمكننا المقارنة مع بلدان أخرى مثل تركيا ومصر القادرتين على استقبال نحو 20 الى 30 مليون سائح

ويتابع: “اذا أردنا لبنان وطن السياحة، يجب أن نفكّر في فرض رسم الـ

city tax

المعمول به عالمياً المفترض أن يسدده النزيل في الفندق ويعود للدولة التي تتعامل مع دولة أخرى لاستقطاب السيّاح مقابل مبلغ. وهنا أشير الى أنني سبق أن تقدمت بفرض رسم على الإشغال الفندقي وتمّ رفضه

السياحة الداخلية

وفي ما يتعلق بمرحلة ما بعد فصل الإصطياف والسبل الآيلة الى تحريك العجلة السياحة الداخلية، يكشف أنه”بدءاً من ايلول سيعمد الى التواصل مع كل البلديات والإتحادات في كل المناطق اللبنانية وتشكيل لجان ترويجية للسياحة المناطقية للأماكن التي يمكن زيارتها في لبنان وذلك من خلال وسائل التواصل الإجتماعي أو المواقع الإلكترونية

وعن ذلك يقول كيدانيان: “نعلم اللبناني المتواجد في الجنوب، على سبيل المثال أنه يمكنه زيارة جزيرة الأرانب في طرابلس، وللطرابلسي نرشده الى ضرورة زيارة جزيرة صيدا والدخول اليها لا يتعدى الـ 4 آلاف ليرة، مع تقديم رزم متكاملة وبأسعار مخفضة وتشمل المطعم والفندق والتجول في المواقع السياحية

كل مقومات السياحة متواجدة في لبنان من مناخ معتدل وأماكن سياحية خلابة، ولقمة طيبة… ولكن ما ينقص بلد الخدمات تحقيق شرط واحد هو الإستقرار الأمني والسياسي لادخال العملة الصعبة مجدداً اليه، واستقطاب ليس فقط السياّح بل ايضاً المستثمرين، وبانتظار تحقيق ذلك ليس امامنا سوى تعليق الآمال بتحقيق ارقام سياحية واقتصادية واعدة

باتريسيا جلاد