صلاح صبح هو مجرد اسم على هوية …شكري شكرالله هو القصة الإبداعية المشرقة مع مرور الأيام بمختلف أصنافها ومراحلها
فنان الكاراكتر الواحد دخل إلى حياتنا منذ الصغر، رافقنا بمحبة، احاطنا بموهبة استثنائية لم تبخل علينا بالبسمة، جاهد مع فرقة أبو سليم الطبل القادمة من شمال لبنان منذ ٦٥ سنة، وظل أميناً على أن يجسد شخصية البخيل بقالب كوميدي ذكي، وبمهارة فُرضت على السنين دون أن يشعرنا صاحبها بالملل منها، ودون أن يقع هو بتكرارها وبالملل رغم أن شكري تلبسها وهي تلبسته، وكانت تلبيه في كل الاماكن، والمشاهد، والحضور بسحر الانبهار والابهار والبراعة دون أن يزعج المتلقي، وهذا هو عمق السحر عند الفنان الموهوب فكيف إذا كان من فنان الفطرة والارتجال
شكري شكر الله لم يدخل المعاهد التمثيلية، ولكنه يتفوق على كل من يدعي علم التمثيل التنظيري، وحينما يقف أمامهم بعد هذا المشوار الطويل والشائك يبهرهم، ويصيبهم بالخوف والشيخوخة رغم شباب تجربتهم، وبسرعة يحتضنهم بتواضعه كما لو كان قد بدأ منذ لحظات، يؤدي من جوارحه، ومن كل الكل، وكل ما فيه يصبح الشخصية، وكل ما فيه تنساب منه الكلمة والحركة ولا يسمح أن لا تشاركه أي قطعة منه في التمثيل الذي أصبح هو، وهو أصبح الممثل شكري، وهو المشهد والحوار والحركة، وهو الممثل من لحم ودم…وهذا يعود إلى موهبة طالعة من إنسان أعطاه الله موهبة فطرية لا تنظيرات فيها، ولا مساحة حاضره جراء عقدة الغرور، بل هي إبنة الواقع، ورفيقة المجتمع، ومنتشرة في كل مكان وزمان
و صلاح صبح الذي تخلى عن صلاح لصالح شكري شكرالله عرف كيف يذوب بالشخصية البخيلة لتصبح ملازمته بتقنية الزمن والمعرفة والمقدرة على تجسيدها برشاقة غنية بروح الموهبة
لم يتعب شكري من كاراكتر البخيل، ولم تهجره الشخصية كما حال العديد من الفنانين، والبعض تضيع منهم خلال دقائق بينما ٦٥ سنة تقمصها عشقها شكري دون ارتكاب هفوة خطأ غباء سذاجة تكرار معها، وهذه عظمته، و مقدرة لا نجدها في كل عالم الفن لا في الشرق ولا في الغرب ولا حتى في هوليود
منذ ٦٥ سنة وشكري شكر الله يقف أمام الكاميرا نشيطاً وشاباً، ويتربع مع شخصية البخيل بلباسه المعهود، وبرشاقة أينما حل على المسرح وخلف المذياع، ومع شاشة المربع، ويمارس الشخصية كما لو كان بعمر الشباب، لا يعرف هذا الكاراكتر معه الشيخوخة، يركض، ينط عنا وهناك دون خوف من عواقب الحركة، يمارس الكلام مع الحركة بطريقة يستفز فيها الزمان، ويفرض علينا رغم الأعمار المختلفة من صغار وشباب وكبار الاحترام والمتابعة مع الضحكة المغرقة بالابتسامات النظيفة
هو ذاته منذ ذاك الزمان العفوي المرتجل مع اختلاف المراحل والاذواق والزمان والمكان والسياسة، يرسم طبيعة الحوار، يشربه فوراً ليخرج منه كما هي شخصية ارتكب فعل ابتكارها منذ زمن الأبيض والأسود ليجسدها أمامنا شخصية جديدة نتابعها بشغف
وعظمة هذا الفنان أنه يذهب إلى الشخصية كما يفعل نجوم هوليود حتى يذوب بها وبمصيرها على عكس الفنان العربي الذي ينتظر الشخصية كي تأتي إلى نجوميته فيقتلها ببرستيج كذبة الشهرة، فتصلنا منهكة غير مقنعة…وهنا عمق تجربة شكري البخيل حيث هو الأكرم في ابتكار تجديد الحضور
نعم استمرارية شخصية شكري شكرالله البخيل ظاهرة تستحق أن نقف عندها مطولاً، وقد يرد بعضهم على كلامي بسخرية لكونهم يعيشون النقد التنظيري الفوقي على موهبة الفطرة، ولكن الزمن يصفعهم لعدم تقديمه لهم موهبة استمرت بتجسيد شخصية الكاراكتر الواحد طيلة ٦٥ سنة ولم تشيخ، ولا تزال تدخل البسمة على قلوب وبصر وفكر مختلف الأجيال، وهذا هو بيت القصيد، وهذا هو الإبداع الفطري، وهذه هي الإشكالية التي وجب ان تُعلم في مدارسنا ومعاهدنا، وعند كل من يتجرأ ويرغب بفعل التمثيل
(أدعوكم إلى مشاهدة برنامج “تاكسي أبو سليم” صور ويعرض حديثاً من إخراج أكرم قاووق، وقد يكون آخر ما يقدم عن الفن الفطري والضحكة النظيفة لتتلمسوا كتاب ما أقوله عن هذا الفنان وتلك الفرقة)
شكري شكر الله ابن الشمال الوفي أصبح ابن كل الوطن، أصبح ابن الحالة التي لن تتكرر، له علينا الكثير من وفاء الشكر والتكريم
نعم وفاء منا أن نشكره لكونه أدخل إلينا البسمة دون كلل، وأصر أن يسعدنا رغم ظروفنا التعتيرية والدامية دون خجل، وزرع من حولنا وعبر أجيال تتغير مع الذوق دون ملل، حاورناه بفوقية فلم يكترث لغرورنا، وحال دون أن يزعجنا، وجال بنا إلى عاطفة نفتقدها، ليترك مع كل خطوة بسمة بعمق الابتسامة الصافية المتفوقة على الحزن الذي يرافقنا في هذا الوطن منذ الولادة
نعم وجب علينا أن نكرم هذه الظاهرة التي أشرقت من بلادنا خارج الادعاء بالتمثيل، نكرمه حسب مواقعنا، ومساحة فعلنا، ودائرة خطابنا
ولا بد من أن يكرم على مستوى الدولة، على مستوى رئاسة الجمهورية، ووزارة الثقافة والإعلام، فمسيرة شكري شكر الله بكاراكتر البخيل تعني بصمة جميلة استمرت معنا بإزدهار حتى مواسم القحط التي نعيشها اليوم وصاحب المسيرة لم يتعب، ولم يقرف من همجيتنا في إلغاء بعضنا، ولا يزال شاباً كلما وقف يؤدي شكري شكر الله أمامنا مع إن العمر أصبح متعباً، وأكل من سنواته التعب والحرمان وفقدان الرزق…متى أيتها الدولة المتناحرة تكرمين رواد المحبة في لبنان؟
بقلم// جهاد أيوب