الانتحار ظاهرة ازدادت خلال لبنان في السنوات القليلة الماضية ولاسيّما في صفوف الشباب والمراهقين

وأظهرت الدراسات التي أجرتها جمعيّة إدراك (مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي) أنّ نسبة محاولات الانتحار في لبنان تقارب معدّل نسب محاولات الانتحار في البلدان التي شملتها الدراسة (17 بلداً)، بالغة 2 في المئة من إجمالي عدد السكّان في لبنان مقارنة مع المعدل (2.7 في المئة) في العيّنة الكاملة التي شملتها الدراسة

أما جمعيّة

Embrace

(شبكة دعم وتوعية في شأن الأمراض النفسية في لبنان وصندوق خيري تابع لمستشفى الجامعة الأميركيّة) فلاحظت أنّ الانتحار تحوّل إلى هاجس أساسي للصحّة العامة في لبنان وأنّ إحصائيّات قوى الأمن الداخلي تتحدّث عن حالة انتحار واحدة كلّ يومين ونصف في لبنان، ومحاولة انتحار كلّ ستّ ساعات

من يحاول الانتحار في لبنان؟

أشار البرنامج الوطني للصحة النفسيّة في وزارة الصحة العامّة ومنظمّة الصحّة العالميّة، وفقاً لمعلومات جُمعت من تسعة أطباء نفسيّين في لبنان إلى أنّ 10 في المئة من الذين حاولوا الانتحار لم يتخطّوا سنّ الـ18 عاماً في حين أنّ 58 في المئة تراوحت أعمارهم بين 18 و34 سنة

 

ما الذي يدفع المراهقين والشباب إلى التفكير بالانتحار؟

يشكّل الانتحار مصدر قلق كبير في المجتمعات، وهو مرتبط بعوامل نفسيّة متعدّدة كمصاعب الطفولة، وتبعات الحرب أو الأحداث التي تشكّل صدمة، إضافة إلى علاقته المباشرة بالاضطرابات الذهنيّة

وفي هذا السياق نذكر الدراسة التي وردت في كتاب “الاكتئاب لدى الشباب” للدكتور لابا معربس الصادر عام 2010، إذ يؤكد الباحث أنّ من أسباب الاكتئاب تعرّض الشباب لبيئة غير مستقرّة فيها حروب، ولضغوطات نفسيّة وسياسيّة وأمنيّة

كما أظهرت هذه الدراسة أنّ درجات الاكتئاب ازدادت بعد حرب تموز 2006، وأنّ هناك 18% من شباب عيّنة الدراسة لديهم ميول إلى الانتحار

ووفقاً لنظرية آرون بيك

(Aaron Beck)

، فإنّ حالة اليأس الوجدانيّة تبعث على الكآبة وتتّسم بنظرة الفرد السلبيّة للذات وللعالم وللمستقبل، وهي سمة مميّزة لنمط التفكير الاكتئابي. وتكمن خطورة الشعور باليأس بأنّه أحد الأسباب الأساسيّة وراء الانتحار، إذ أنّ 50% إلى 70% من هذه الظاهرة سببها اليأس

أقوال جاهزة

شاركغردتشير إحصائيّات إلى حالة انتحار واحدة كلّ يومين ونصف يوم في لبنان، ومحاولة انتحار كلّ ستّ ساعات، ما هي أسباب ذلك؟

شاركغردتُساعِد الإيجابيَّة على بثِّ روح التسامح والتَّوافقِ والمودة في جوِّ الأسرة وأفرادها، وتنقل عدوى الحبِّ للمجتمعِ بكافَّةِ عناصره

لماذا يشعر المراهق بفقدان الأمل وما هي تداعياته؟

تشكّل الضغوطات الخارجيّة ومنها الاضطرابات الأمنيّة والصراعات الموجودة في المجتمع سبباً أساسياً للشعور باليأس والإحباط عند الشباب ولا سيما المراهقين ممن في طور تحديد هويّتهم وتكوين شخصيّتهم

ويتأثّر المراهق عادة بما يدور حوله من تغييرات اجتماعيّة وعائليّة ويغوص في مشاهداته ويحللها. ومن هنا تكمن خطورة ما يمكن أن يتعرّض له حين يرى صور العنف والقتل والدمار في وسائل الإعلام المرئية

ففي دراسة أجريناها على عيّنة من مئتي مراهق (تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً) يتابعون صور العنف عبر شاشات التلفزة، أظهرت النتائج أنّ 33% منهم يشعرون بأنّ الموت قريب منهم

 

إنّ هذه المشاعر وفق دراستنا، ترافق عادة المراهقين في حياتهم، غير أنّها تنتابهم بشكل أكبر عندما يشاهدون صور العنف. والملفت في النتائج أنّ ثلث الشباب يفقدون الأمل ويفكرّون بالموت في عمر مبكّر. وقد يدفع هذا الشعور المراهق إلى عدم اهتمامه بمستقبله وبأهدافه المهنيّة أو بما يمكن أن يحقّقه من إنجازات دراسيّة

ففي وقت السلم يفكّر عادة الفرد بالموت بين الحين والآخر، ولكنّه لا يشعر بأنّه سيداهمه في وقت قريب. أمّا أثناء الكوارث والحروب فإنّ الإنسان يتصوّر بأنّه سيموت حتماً وبشكل فوري. وهذا الشعور يترك آثاراً سلبيّة في شخصيّته ومنها الاستسلام والرضوخ حتى أنّه يصل إلى حدّ الشعور بالكآبة المفرطة وما قد تسبّبه من دفع نحو الانتحار

أرقام صادمة أخرى أظهرتها الدراسة وتمثلت في نسبة من يشعرون باليأس ، إذ تبيّن أنّ 66% من عيّنة الدراسة ينتابهم هذا الشعور

 

اليأس هو انفعال شديد ورؤيّة قاتمة لبعض القضايا الحاضرة والآتية التي تهمّ المرء. ويأتي هذا الشعور كنتيجة لبعض الظروف الحياتيّة (صدمة عاطفيّة، وفاة شخص، حرب طويلة، مرض خطير، فشل…) وتختلف درجة شدّته من شخص إلى آخر بحسب طبيعة دفاعاته النفسيّة واستراتيجيّات تعامله مع الصدمات

ويعدّ اليأس من المشاكل النفسيّة الشائعة. ويحديد هذا الشعور باعتباره واحداً من أهمّ العوامل المؤثّرة في الإنسان وفي وجهة نظره نحو المستقبل، فتتناقص دافعيته نحو العمل والإنجاز

كما من الطبيعي أن تتزامن هذه الحالة مع ظهور العجز النفسي عنده، وعدم إمكانيّته على اتخاذ القرارات، وفقدانه للطّاقة والحيويّة

ولا يسعنا هنا إلّا التنبّه إلى أنّ اليأس يجرّ الفرد باتجاه الاستسلام ويجعله بعيداً عن مبادئ الحريّة والتمسّك بالقيم الاجتماعيّة والوطنيّة، ويعتبر بحدّ ذاته مرضاً يحدّ من الطموح ويعيق التطوّر العلمي ويكرّس الفوضى والفساد في مختلف ميادين المجتمع

أكمل القراءة

كيف يمكننا الحد من انتشار اليأس عند المراهقين والشباب؟

الإيجابية هي السبيل الأساسي لمحاربة اليأس، غير أنّ الوصول إليها يحتاج إلى عمل جماعي يشارك فيه القيّمون على التربيّة من هيئات تعليميّة في المدارس بالإضافة إلى الأهل والأصدقاء ووسائل الإعلام التي لها دور كبير في التأثير على نفسية المشاهدين لا سيما المراهقين والشباب منهم. ومعروف أنّ الإيجابيّة تتحقق عبر محاربة الشعورِ بالنَّقص والعجزِ والنَّظرة السَّوداوية

وهنا يمكننا القول بأنّ الابتعاد عن عرض الصور القاتمة والمؤلمة، وإيقاف الحديث عن الأمور السلبيّة والصراعات التي تفتك في المجتمعات القريبة والبعيدة، كلّها قد تساهم إلى حدّ كبير في التخفيف من وطأة قساوة الحياة، وبالتّالي عدم الشعور باليأس والاكتئاب. كما أنها تساعد في تطهير ذهن الفرد من سوء الظن والغضب

ويحفِّز التفكيرُ الإيجابيّ على الإبداع والابتكارِ والإلهام، ويصنع الفرق في الإنجاز والقدرة على الإنتاج. تُساعِد الإيجابيَّة على بثِّ روح التسامح والتَّوافقِ والمودة في جوِّ الأسرة وأفرادها، وتنقل عدوى الحبِّ للمجتمعِ بكافَّةِ عناصره

وفي الختام نرى أنّه من المفيد التنبّه من مخاطر العنف وأعماله ونشر أعراضه في وسائل الإعلام. ولايكون ذلك إلا عبر نشر الوعي عند من بيدهم القرار. فهل يتّعظون؟