رحل حسن صعب عن هذه الفانية بجسده الواهن لكن روحه المعطاءة وعزيمته الصلبة ما زالتا بيننا تواكبان تحركنا وتهديان خطواتنا في سبيل تحقيق المثل النبيلة التي آمن بها وناضل في سبيل تحقيقها ألا وهي “إنماء الإنسان ، كل إنسان وكل الإنسان” كان هذا هو شعاره الدائم وهاجسه الأوحد ومعزوفته الفريدة
عاش حسن صعب حياة غنية غزيرة ، أمضاها متنقلاً في مجالات متعددة ، بدأها بالدراسة الدينية تم انتقل منها إلى الآداب فالدبلوماسية فعلم السياسة فالإعلام فالإنماء فالثقافة. مارس السياسة كعالم منظر وباحث متخصص و لم يمارسها كممتهن محترف. تعاطى شؤون الإنماء ودفع عجلته قدماً وأسس ندوة الدراسات الإنمائية في العام 1964
وحده الإعلام مارسه نظريا وعملياً، فقد كان رحمه الله عميداً لكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية ، ونشر العشرات من المصنفات والمقالات والأبحاث الصحفية التي أظهرت نكهة حسن صعب الخاصة وأسلوبه في الصياغة بما يمكن تسميته بالسهل الممتن
وهذا الكتاب ليس عادياً، لا بمضمونه ولا بالمفكر الذي يدور حوله ، أي المرحوم الدكتور حسن صعب، مؤسس ندوة الدراسات الإنمائية. هذا الكتاب ليس هو كتاب سيرة ذاتية لذاك الفذ الذي يستأهل اكثر من ذلك. بل يتعدى مدارك السيرة ليصل مستويات رائعة من الفكر الخلاق، وهو ما كان عليه ذلك الرجل الإنسان
ان قيام حسن صعب بتأسيس ندوة الدراسات الانمائية كان جوابا لأسئلة راودته طويلا، وبقية معه طوال حياة فكره الخلاق التي عاشها بذاته وعايشها مع الندوة. يأتي هذا الكتاب ليؤشر ويلمح هنا وهناك وبين ثناياه وصفحاته التحليلية حول فكر حسن صعب الى بعض تلك الأجوبة. فليس بالمصادفة قيام جمعية ندوة الدراسات الإنمائية ، وليس بالعفوية أصبحت جمعية خاصة ذات منفعة عامة، بل هذا كان جل ما يتوجه إليه المؤسس جمعية تعنى بالفكر الخلاق. وماذا كان يدور في العالم في ذاك الوقت من ستينات القرن الماضي حين أنشأ حسن صعب ورفاقه الألمعيين، د.شارل رزق والمرحوم د. زكي مزبودي، الندوة ! كانت المجتمعات المتقدمة بالعالم تطل بثورة فكرية تركز على مفهوم وتيار سيبقى الى وقتنا الحالي معياراً تصنف على أساسه المجتمعات ومستويات تقدم الدول، عنينا مفهوم تيار الإنماء
وهذا حقاً ما ميز فكر حسن صعب الخلاق ، الذي يجده القارىء في هذا الكتاب. ان الناظر بعمق الى عطاءاته الفكرية يستغرب تعطشه وحواراته وكتاباته وأفكاره المتسابقة المتطلعة ابداً نحو المستقبل. فمفهوم الإنماء الذي بدأ بنشره في لبنان والمجتمع العربي كان سباق لعصره. ومن يتعاطى اليوم بمواضيع النمو، والإنماء، والتنمية المستدامة، ، الاستراتيجية التنموية يدرك ذلك. انها مواضيع نطرقها اليوم، و كان المرحوم حسن صعب قد سبقنا إليها بعقود، ونبهنا الى ضرورة استيعابها والاحاطة بها، لانها ستكون معيار تقدم المجتمعات في العالم ، وواقعاً هذا ما هو قائم الآن
لن نشير في مقدمة هذا الكتاب الى الراحل الكبير وخدماته المتعددة في الحقل الدبلوماسي، وعطاءاته المعرفية الجلى في جامعات متعددة في لبنان والدول العربية، في جمعيات ومنظمات ومؤتمرات حول مواضيع مجتمعية .بمستويات من الطراز الأول، أو مساهماته الصحافية البارزة، ولعل مؤلفاته وإبداعاته العلمية شاهد على موسوعيته وتمكنه من وضع المعرفة في خدمة إنماء الإنسان
ولقد كرم الرجل بميداليات وجوائز وأوسمة ، وقد تكون ندوة الدراسات الإنمائية هي الوسام الأهم الذي يعتز به، ولذكراه نحاول أبداً إبقاء شعلة إيمان قوية بإنماء الإنسان، كل إنسان وكل الإنسان
يأتي هذا الكتاب، الذي طال انتظاره، عربون وفاء من ندوة الدراسات الانمائية. مجلس إدارتها وبهيئتها العامة للراحل الكبير المفكر. وكما يظهر من كلمة المؤتمر الصحفي في ذكرى تكريمه في العام 1990 أقامت الندوة سلسلة ندوات حول فكر وأعمال حسن صعب في العام 1991 ، من منطلق إنسانيته وكونه الكاتب ورجل الحوار وصاحب الفكر الإنمائي والسياسي والديني والإعلامي، ليأتي هذا العمل تتويجاً لفكر ذاك الرجل الإنمائي المبدع ، جامعاً في طياته حصيلة سبع ندوات شارك فيها رجال ونساء برزوا في مجتمعنا وعملوا مع المرحوم وعرفوه عن قرب وشاركوه فكره الإنمائي الخلاق
أما كلمتنا الأخيرة فهي ما سيود التركيز عليه راحلنا الكبير لو بقي بيننا ، عنيت أن يكون هذا الكتاب عصارة فكر إنمائي مبدع يستفيد منه المهتمون بالشأن الإنمائي باعتباره مرجعا يعودون إليه لينير طريقهم. فيبقى فكر حسن صعب يشع في مجتمعنا الذي كان عائلته الكبيرة والذي قضى حياته في خدمته إيماناً منه بإنسانية الإنسان، وضرورة إتباعه طريق الإنماء الإنساني الثامل مساراً مستكملاً لإنماء المجتمع
محمدع.درويش