هل يُفاوض لبنان حالياً من موقع قوّة، أو من موقع ضعف؟ آراء كثيرة تتشابك حول تلك النّقطة، لا سيّما بعد الإعلان عن “تعليق” لبنان سداد ديون استحقاق 9 آذار دون ورقة موحّدة واضحة للتعاطي من خلالها مع الدائنين. ونذكّر في هذا الإطار بأن أمراً مشابهاً حصل قبل أسابيع، وذلك عندما حصلت اجتماعات مع وفد”صندوق النّقد الدولي”، قبل وضع أي ورقة لبنانية موحّدة

في أي حال، ومهما اختلفت القراءة التي تتعلّق بالأوضاع، فإن الثابت هو وجود دعم دولي معيّن للبنان، ولو في شكل مستتر، تعبّر عنه فرنسا من جهة، والمنسّق الخاصّ للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، الذي اعتبر أن “الخطاب الصّريح لرئيس الحكومة حسان دياب حول فشل النّموذج الإقتصادي السابق، يفتح الطريق للخروج من الأزمة”، والذي شجّع (كوبيتش) الدائنين “على العمل مع الحكومة لتفادي التخلّف عن السّداد غير المنظّم

وإذا كان دياب قدّم ملموسات واضحة، تتعلّق بشرح أسباب فشل النّموذجَيْن الإقتصادي والمصرفي اللبناني، إلا أننا نسأل عمّا إذا كان يُمكن تسييل الدّعم الدولي المستتر في عملية إعادة هيكلة ديوننا؟ والقيام بالمفاوضات المنصفة، وفق معايير توفّق في ما بين الشروط الدولية من جهة، والوطنية من جهة أخرى؟

لا يُمكنهم؟

شدّد الخبير الإقتصادي الدكتور وليد أبو سليمان على أنه “بموازاة تعليق السّداد، تحصل مفاوضات مع الدائنين من قِبَل المستشار القانوني والمستشار المالي. ونحن لسنا في موقع ضعف بل في موقع قوّة، وذلك لأن من حُسن حظّنا أن الدولة اللبنانية ليس لديها ممتلكات كمؤسّسات تجارية في الخارج

وأشار في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “لدى الدولة اللبنانية حصانة سيادية على قنصلياتها وسفاراتها في الخارج. ولكن لا يمكن أن يتمّ الحجز على تلك الأصول

ولفت الى أن “الذهب وطائرات “ميدل إيست”، هي مملوكة من جانب مصرف لبنان، فيما هو (مصرف لبنان) مؤسسة مستقلة عن وزارة المالية والحكومة، وبالتالي من الصعب الحجز على أصوله

وأوضح أن “الدائنين الذين يرغبون بربط النزاع والتوجّه الى المحاكم في نيويورك، سيكون صعباً بالنّسبة إليهم أن يحجزوا على الأصول، وسيتكبّدون خسائر إذا حاولوا القيام بذلك. وهذه كلّها نقاط إيجابية لنا

سلبيات

وشرح أبو سليمان النّقاط السلبية المتعلّقة بقرار “تعليق” السداد، فقال:”تصنيفنا الإئتماني من قِبَل وكالات التصنيف سينخفض الى درجة

D

، أي التعثّر

وأكد أن “هذا الواقع يعني أنه لا يعود لدينا إمكانية الوصول أو العبور الى أسواق المال، أي انه لن يعود بإمكاننا إصدار سندات خزينة بالعملات الأجنبية، وأن يكتتب فيها مستثمرون من الخارج

وأضاف:”سمعة لبنان المالية ستهتزّ. كما أن وكالات التصنيف ستخفّض تصنيفها الائتماني للمصارف اللبنانية بسبب انكشافها على الدَّين السيادي الذي هو “اليوروبوندز” والدَّين الداخلي، وستُصبح إعادة رسملة المصارف مُلزِمَة

“صندوق النّقد

وإذ وافق على “عدم وجود برنامج إنقاذي واضح، انطلاقاً من أن الحكومة أكدت أنها تحتاج الى وقت لتضعه”، قال أبو سليمان”لذلك، سيظلّ الخوف موجوداً. ولكن الإعتراف بفشل المنظومة المصرفية والإقتصادية من قِبَل رئيس الحكومة منذ يومين، هو نقطة إيجابية، لا سيّما أنه الإعتراف الرسمي الأوضح بوجود نظام إقتصادي ريعي فاشل، ونظام مصرفي بدلاً من أن يساهم في الدورة الإقتصادية، ويموّل الإقتصاد والأُسَر، يحصر نشاطه بأن يكون وسيطاً لتمويل قطاع غير منتج، الذي هو الدولة اللبنانية

وعن المفاوضات المنصفة وسط عدم التقاء المعايير الدولية مع معاييرنا الوطنية، لفت أبو سليمان الى أن”واهماً واهماً واهماً من يفكّر بأننا لا نحتاج الى مساعدات أو قروض من الخارج. فنحن بحاجة الى دولارات. كما أن وجود ختم “صندوق النقد الدولي” على برنامجنا الإصلاحي يطمئن المستثمرين، أي حاملي السندات، لا سيما أننا نعرف الى أي مدى أخفقت الطبقة السياسية في القيام بالإصلاحات على مدى سنوات وسنوات مع الأسف، وهو ما أفقدنا الكثير من مصداقيّتنا

وختم:”البرنامج الإنقاذي يجب أن نضعه نحن، وذلك لأن لا أحد يعرف مواطن المشاكل والخلل والنزيف والمزاريب الموجودة لدينا، مثلنا. أما رفض أي مساعدة مالية من قِبَل “صندوق النّقد الدولي” بالمطلق فهي تدفعنا الى التساؤل عن إمكانية أن نؤمّن الأموال التي نحتاجها بمعزل عنه. فهل هذا ممكن بالفعل؟

المصدر: وكالة أخبار اليوم