أعمال البيئة حافظت على الصراخ والمرأة الساذجة والاحتلال الفرنسي
• ما تعانيه الدراما السورية اليوم يتحمل مسؤوليته الفنان والإعلام والقطاع الرسمي
• “أوركيديا” مكسباً و”الرابوص” نقطة تحول و”شوق” غاية بالروعة، “وأزمة عائلية” افتعال تمثيلي
• “قناديل العشاق” أنهك بسبب غياب الأبعاد الدرامية و”سنة أولى زواج” هضامة
• “خاتون 2″ من أجمل الأعمال و”أرواح عارية” و” أهل الغرام 3″ و”لست جارية” لا تصلح للشهر الفضيل
بقلم جهاد أيوب
خاضت الدراما السورية هذا العام حرباً عدائية من أبناء العم، وحاولوا قطع انتشارها ورزق مالها من خلال عدم شراء غالبية إنتاجيات العام، وتحديداً الإنتاجي المحلي منها، وهذا حاصر الكثير منها في العلب، والبعض وضع على رف العام المقبل، بينما ما وزع لا يتجاوز العشرة أعمال من أصل 27 عملاً، عرض فقط على فضائية الدراما السورية 15 عملاً، والباقي رحل إلى العام المقبل على أمل تسوية هذه الحرب السياسية التي شنت عليها
حاولت الدرامة السورية أن تبتعد عن مواضيع العام الفائت بقدر ما أمكن، فقللت من مشاهد الجنس، والمشروبات الروحية، والغرام النافر، ولكنها حافظت على ما تبقى من أجزاء البيئة الشامية بما تحتويه من صراخ، وشجارات غير مبررة، وسوالف حريم ثرثارة، وشخصية المرأة العبد والخادمة، وتكرار شخصياتها الساذجة والحارة والزعيم، والعبيط، والاحتلال الفرنسي، أقصد ديكورات قديمة لحارات شامية مصحوبة مع الصراخ، وأحداث لا تاريخ لها، وكأن الشام مسجونة بهكذا زمان، وبعالم افتراضي يفرض على المشاهدين وعلى تاريخ الشام توليفات لا تشبه تاريخها بشيء
الخطر
وهذا الحال سبب واقعاً خطيراً، وأزمة قد تعيق استمرارية هذا المنتج الثقافي والتجاري المهم في الثقافة السورية بعد عجز الغناء والأدب خوض هكذا انتشار، والمطلوب الاعتراف أن الدراما السورية في خطر، وهذا الخطر يتحمل مسؤوليته أهل المهنة والدولة، فأهل المهنة تم شراء القسم الكبير منهم لصالح أفكار أعرابية أغرقتهم بالدولار وكذبة النجم الواحد! وأكثر ما يضر وأضر الدراما السورية هو إعلام سوريا، وبالتحديد بعض الكتاب والنقاد في صحافتها حيث تصفية الحسابات لمصلحة بعض شركات الإنتاج، وصداقات الممثلين
وأيضاً بعض نجوم الدراما السورية يقومون بأكبر جريمة وتصفية حسابات أصابتها مباشرة بضرر كبير، ومنها التسول أمام أموال المنتج الخليجي مما أفقدتهم البصيرة، والمسؤولية، وتفرغهم للتنظير والانتقاد، وتصفية حسابات شخصية وسياسية
والمسؤول في الدولة السورية والمعني يتعاملان مع الدراما من خلال الاجتماعات والتنظير دون الفعل، علماً المطلوب تسهيل الفرص، وفتح السوق المحلي دون عقبات، وإبعاد الرقابة الشخصانية، والرقابة التي أصبحت في هذا العصر مهنة الأغبياء وتصفية الحسابات، علينا أن نثق بفنانينا، ونضع الضوابط الأخلاقية والوطنية والدينية ضمن الخصوصية والاحترام مع حرية المناقشة والطرح
الاعتراف ضرورة
الآن، علينا الاعتراف بأن الدراما السورية في خطر كبير وواضح، خطر داخلي، وخطر خارجي، والتنبه إلى أن الجمهور السوري لم يعد لاهثا خلف العمل الواحد، ولم تعد الدراما السورية متمكنة من صناعة العمل الأهم وأكثر شعبية والجامع، وشبه إجماع عليه، والمتابع من قبل الجميع، هو مرض خطير، بل غلبت على الأعمال الارتجال، والتنظير، والتعارض وليس المعارضة
ومع ذلك برزت تجارب جيدة فيها ما يبشر بأن الدراما السورية تحتاج إلى فرص أمل كي تلملم جراحها، وتعاود ريادة الدراما العربية لكونها لم تمتهن وتسجن بعقدة الريادة، لذلك تنبه إليها المال العربي ففرض المال السياسي إغراءاته عليها ليشتت أبطالها ومواضيعها، وما أصابها العام الفائت 2016 من ضرر حرك النخوة عند بعض العاملين فيها، وقرروا أن يلملموا ما تبقى من أفكار وتطلعات لربما تقدم في تجربة تعيد وهج التأسيس الذاتي، ومن ثم التأسيس الذي يبني قاعدة سليمة تسلم للأجيال المقبلة، ولا عجب إذا قلنا أن فترة ازدهار الدراما السورية على يد من أوصلها كانت قصيرة، وهو ذاته أنزلها من مراتب التميز، وأوصلها إلى الاستمرارية مع بعض النجاح، وساعدها في أن تلفت النظر عدم وجود من ينافسها في الدراما العربية، والكل مصاب بعقدة النجومية، والهرولة المادية، والعجز المبكر، وتكرار المواضيع، أقصد أنها أصبحت مجرد حالة موجودة وناجحة دون التميز الذي كان، وقد ظهر ذلك بشكل فاضح في العام الماضي، ومع الصفعة، وإشاراتنا العديدة إلى أن هذا العجز والضعف يتحمل سببه النجم السوري قبل أوضاع البلد عادت الأمور لتصحح الخلل بقليل من الأضرار، وجاءت الصفعة الخبيثة من سوق البيع الذي تتحكم به جهات سياسية أعرابية نعرف أهدافها ومستنقعها
لم تنقل الدراما السورية تفاصيل أحداث بلدها كما كان في بعض الأعوام السابقة خلال الحرب، والعمل اليتيم الذي عالج قضية الحرب هو “شوق”، والأعمال التي واكبت عودة أجزاء البلد إلى حضن الوطن رُحلت إلى العام المقبل، ومنها مسلسل “روزنا” الذي سيضوي على تحرير مدينة حلب، واكتفت بقضايا الحب والخيانة والقليل من التجريب على صعيد الرؤية الإخراجية والأفكار الجديدة كما هو حال “الرابوص” و ” أوركيديا
كما احتفظت بتكملة أجزاء بعض المسلسلات، منها ما كان مملاً وتكراراً، وتشبه بعضها كالأعمال الشامية خاصة “باب الحارة9″ و”طوق البنات4” و”عطر الشام 2″، ومنها تكملة عدد ليس أكثر كالأعمال المعاصرة المحشوة بالغرام الجامح ومنها “أهل الغرام 3″، أما “بقعة ضوء 13” فهذا العام بلادة، تفكك، عدم انسجام من قبل الممثلين، وكأننا نشاهد تجربة جديدة غير ناضجة فنياً
• ” أوركيديا ” تأليف عدنان العودة، وإخراج حاتم علي، بطولة سلوم حداد، باسل خياط، عابد فهد، سلافة معمار، جمال سليمان، قيس الشيخ نجيب، يارا صبري، سامر المصر…كلف 5 مليون دولار، وصور بين تونس ورومانيا، تاريخي خيالي، تمحور حول أمير يسعى لاستعادة مملكته
العمل مدروس، يستحق المتابعة رغم الانتقادات التي حصدها من داخل سوريا لأسباب سياسية وغيرة وخاصة، ولكنه قدم صورة جميلة، وقصة متماسكة، ومخرج قدير يفقه قيمة الرؤية الإخراجية وتحريك ممثليه، هذا العمل التاريخي أعاد إلينا المرحلة المتوسطة من انتشار ونجاح الدراما السورية
• ” الرابوص” تأليف سعيد الحناوي، إخراج إياد نحاس، بطولة عبد المنعم عمايري، بسام كوسا، ضحى دبس، عمار شلق، أمل عرفة، جيني أسبر، كندا حنا، محمد حداقي، وفاء الموصللي، مرح جبر، بيار داغر، سلمى المصري
عمل متميز ونقطة تحول في الدراما العربية، تجريبي يعطي قيمة للبصر ولأداء الممثلين المركب، ويفرض المتابعة بعيداً عن تكرار ما أصبح مألوفاً في المسلسلات العربية!
قصة بطلها الرعب، وبتجسيد باقة قيمة من نجوم سوريا ولبنان، والتنافس على أشده، وكل فنان شارك تعمد المخرج أن يتقمص دوراً جديداً ومختلفاً عليه، وهذا جعلنا في حلبة تنافسية مشوقة، ورغم مشاهد الرعب الذكية، وتوليفات الإضاءة على ديكورات واقعية وبسيطة لم يتعمد المخرج أن تكون على حساب التمثيل. باختصار “الرابوص” بداية شيقة ومشوقة للخوض خارج الدائرة المفتعلة، وبداية للدخول هذا النوع من الدراما النفسية بتميز
عبد المنعم عمايري، وبسام كوسا، وعمار شلق، وبيار داغر في قمة النضوج الأدائي الصعب والممتع، وضحى دبس، وفاء موصلي وأمل عرفة، وجيني اسبر، وكندا حنا، ومرح جبر في هذا العمل حالة خاصة وأداء لا تشوبه شائبة
• “قناديل العشاق” تأليف خلدون قتلان، وإخراج سيف الدين السبيعي، بطولة سيرين عبد النور، محمود نصر، رفيق علي أحمد، عبد المنعم عمايري، ديما قندلفت، حسام تحسين بيك، صباح بركات، فايز قزق، نجاح سفكوني، وفاء موصللي، عارف الطويل، محمد حماقي، أمانة والي، علي كريم، خالد القيش
يعرض على 7 فضائيات عربية، انطلق في الحلقات الأولى بثقة وقوة، ومع الأيام بدأ التكرار والملل يصيب المشاهد، لا يوجد أبعاد درامية، الأحداث مفككة ومركبة ووضبت لتكون في عمل دون الطرح الدرامي السليم، ولا يوجد لها تبريرات، والبطلة سيرين عبد النور من بداية المسلسل ترتدي ملابس لا تمت لأجواء المسلسل بصلة، تجلس وتشرب الأركيلة، أما التمثيل فجاء رفع عتب، ورفيق علي أحمد رغم إمكانياته العالية، ومنذ الحلقة الأولى حتى العاشرة يجلس خلف الطاولة، وبذكاء منه استخدم نظراته وتعبيرات وجهه، وهذه سببها النضج والمسرح
أزياء جميلة لماكياج نافر، وحركة بطيئة عند غالبية الممثلين، فقط أداء الفنان الأهم، والمنتمي إلى النجومية بثقة محمود نصر هو الأفضل في استيعاب شخصيته التي شكلت محوراً أساسياً للعمل، وقدم دوره بجدارة تحسب له
الإخراج واكب النص، والمفروض أن يعيد صياغة النص وليس التقيد به مع علاته، ويعمق الأحداث ويقربها، ويحاول إضافة مشاهد لم تكن مقنعة في التنفيذ، ومن المعروف عن المخرج سيف التقاط كل مفردات العمل، ويتمكن من الإدارة بفلسفة البساطة العميقة، لكنه هنا لم يتدخل أو تدخل في نص ضعيف، يحتاج إلى قراءة ثانية ولم يوفق
• “أزمة عائلية” تأليف شادي كيوان، إخراج هشام شربتجي، بطولة رشيد عساف، ورنا شميس، وطارق عبده، نجاح مختار
النوايا الحسنة لا تصنع تميزاً، ولا ابداعاً…ورغم هذا الحشد الفني الجميل، ورغم الحملة الإعلامية التي سبقته لم يصل إلينا بما نعرفه عن الدراما السورية، أحداث ركيكة، وافتعال تمثيلي، وحشو كلامي، ومهاترات يراد منها أن تكون نصاً…عمل ضعيف لأسماء جيدة، وتحديداً إخراجياً
• “شوق” تأليف حازم سليمان، إخراج رشا شربتجي، بطولة باسم ياخور، نسرين طافش، شكران مرتجى، سوزان نجم الدين، امارات رزق، وليلى جبر
رغم أن المسلسل يلقي الضوء، ويجسد أوجاع الوطن السوري لكنه متعة في نقل الحدث، وفي رسم المشهدية، وفي الإخراج المسؤول، والأهم في أداء فريق العمل، هذا العمل هو الأفضل عربياً، وسورياً، ولا مجال لمقارنته مع أي عمل
سوزان نجم الدين تستحق جائزة على هذا الدور الصعب، لقد أعادها إلى الصفوف الأولى بعد أن زاحمها وأزاحها العديد، هنا ملعبها، وهنا صرختها، وهنا بصمتها، وليلى جبر تمثل باتقان، ومنذ مدة لم نشاهدها تؤدي بهذه الحيوية، وشكران ونسرين وباسم ياخور وامارات رزق في أنضج أدوارهم
• ” سنة أولى زواج” إخراج يمان إبراهيم، تأليف وسيناريو وحوار نعيم انطوان الحمصي، بطولة يزن السيد، ودانا جبر، ومرح جبر، وروعة ياسين، وتولا هارون، وايمان عبد العزيز، وتوليت البكري
عمل خفيف، ومهضوم، وقريب إلى المشاهد، وبعيد عن الصراخ، والتشنجات بحجة التمثيل، وفريق عمل متجانس، قدم وجبة درامية ضاحكة دون عقد أو تنظير، قصة واقعية لأحداث تحصل دائما، وسيناريو اعتمد على البساطة في استخدام حوارات نسمعها من الناس دائما
لفتني يزن السيد، والنجومية تنتظره، وتوليت البكري، وتولا هارون وروعة ياسين جسدا أدوارهن بعفوية لا استعراضات وفزلكات فيها…السهل الممتنع هو أهم الفنون والتمثيل الصح
• “خاتون 2” تأليف طلال مارديني، ومعالجة درامية سيف رضا حامد، إخراج تامر إسحاق، ومن بطولة سلوم حداد، كاريس بشار، معتصم النهار، سلافة معمار، طوني عيسى، يوسف الخال، بيير داغر، وكندة حنا
من أجمل الأعمال التاريخية المشغولة فنتازيا الموقف، عمل يقدم طاقة الممثلين من خلال حبكة درامية مشغولة بدقة متناهية، ومخرج فاهم، يقد هذه الطاقة بأداء رفيع يحسب للدراما العربية،
سلوم حداد في أفضل أدواره وهو عودنا على التميز، وكاريس بشار فنانة محاطة بهالة الموهبة الرائعة، أما معتصم النهار ففي هذا الدور كشف عن أن باستطاعته تحمل بطولة مطلقة، فنان يشتغل على تفاصيل صغيرة ليخدم الشخصية، والأهم يتقيد بملاحظات المخرج، وطوني عيسى متميز، وأداء رائع فيه الكثير من الممثل الذكي و”الجنتلمان
• “أرواح عارية”، و”أهل الغرام 3″، و”لست جارية” لا تصلح للشهر الفضيل لا شكلاً ولا مضمونا، وسنتناولهم في رؤية نقدية مستقلة لاحقاً