بقلم//جهاد أيوب
حينما تصبح #الذاكرة معبرا لأحداث الماضي، تصفع الحاضر، وتترك ندبه على خد الوجع
وحينما تصبح الذاكرة أنينا للحظة فرضت علينا، نشعر بوهج الريح، ونسمع صدى الماضي عنوة، ونضحك على أنفسنا، ونقول بارادتنا لا نزال هنا، حينها نفتح الجراح التي مضت دون تبديل، مع اننا نتمناه ولا نقدر عليه، ونتكئ على خوابي العمر، لنرسم ندبة على خد الزمن
نتنهد، نلثم وجودنا، نشعل بقايانا، ونفتح نوافذ أنهكت من غبار الحلم بحجة انتظارنا الذي طال للندى
نرحل إلى صور صافعة، نجترها مبتسمين والألم يحاصرها ونحن أصبحنا متخمين من عيش شاب مع السنين
قد نكتب مبررين ما حدث، ومتسامحين، وضاحكين متألمين ومشككين كيف كانت تلك الأوجاع كبيرة، وكيف عربدت المفردات ثقيلة، وكيف هي اليوم صغيرة؟
نسارع لنتسرب في ماء الذاكرة، نحط العزيمة في مجرى لم نكن نعرفه، يتدفق نبع المغفرة، ونهبط معا إلى قلب يخفق بعض النغم الشائب متصالحين مع العقل…أين كنتما يوم الشباب، يوم غرني الؤاد، يوم كسرت جسر اللقاء، وبنيت من حجاره سدا مرتفعا وسميكا بين الروح والنفس والحنان؟
يومها فوضت الجراح لتغتال فرح العناق، ونفذت افتعال النار، وتصالحت مع لهيب يجرد الدفء من حدائقه، ويذيب الخجل بحجة كبرياء الهبل
يومها خرج الصوت حادا من عروقي كأنه لوحة تشكيلية زينت بالأحمر وأنا أتوهج الرحيل والابتعاد
كيف لي آنذاك أن ادخل الجمل من خرم إبرة غير مرئية، وهمية البصمة؟
وكيف لي يومها أن احطم كأس البراءة المنسكب فينا، واحوله إلى شرارة تمزق الاخضرار، وتحرق الجمود، وتلجم الخصب، وتجعل من المولود عاقرا ومن الثمر حبات الخطيئة؟
وكيف لي ترك تغريدات البلابل، وهديل الحمام، وحفيف الشجر، وأنحني عشقا وطربا أمام فحيح الأفاعي؟
وكيف لي مغادرة سرب الوفاء والنورس، والعطاء المنتظر، واعانق جحيم الصحراء، ومهرولا إلى الجفاف؟
وكيف لي أن أخون السر الذي جمعنا، واتجاهل عالم يشتتنا فرقا، ونحاول افتعال العلاج مضمدين فراقنا بشاش الشقاء، ودواء الجفاؤ، وافتعال اغتيال القصيدة؟
كيف لي أن أقتل كل هذا الذي كان وأنا لا زلت حيا؟
اليوم أحاول صفع ذاك الماضي لأعاود تجميع المعاصي، وأفبرك النسيان قبل جمود العنفوان؟
الوم… لن ينفع الندم، وأيضا ما نفع الربيع ونحن عجز نلعب في حقول الترحال؟
لن تنفع الصفحات الماضية ما لم نستغلها في حينه، وما لم نعرف قراءتها بعد حينه، ولم نعد نهتم لها في الشيخوخة لتعالينا على الصغائر المصائب … وحينما الزنبق يختبئ مجاريا انحناء الغصن في زوايا الغياب
ليت النسيان ظل نبيا، ولم يعرف الحروب، ولم يقرر النهوض ليسمح بالماضي أن يتمتم، ويصفع مخدة خوفي، ويقلب هدوئي، ويبعثر ضنوني، ويقلق سكينتي، ويجرح قوقعتي، ويضحك بخبثنته المعهودة على أيقونة ترتدي العفة وفي داخل النسيان بذور الشر
إن زمان الاسرار قد هرم، وكاد أن يدفن مع شتات شيخوخة بحار لم يعرف المرفأ، ومرفأه احتفالية بقديمه، وقديمه سجن في سفينة سابقت الوقت، وغادرته معأحزمة الساعات، تاركته يتخاصم ويتناقش مع برق من غير لهيب، وأغنية من غير لحن، وصراخ من غير صوت، وموج مز غير شاطئ
ما أصعب أن تستوطن الذاكرة نبض ينجذب إلى ماض خفقانه يخفت، ومعانيه تتطاير مع امنيات كانت سراب الوجود، وأصبحت ارتباكات البقاء
ما أصعب أن يتحركش بنا مطر الذاكرة، ويطرق شجون سجوننا التي أهملناها كمهرب لأفعالنا ونحن نيام
ما أصعب قرقعة الماضي وهو يلاحقنا خلسة كأنه أخر المنتظرين المحترمين، ويصر أن يرتكب معصية لدوائر كنا قد رسمناها كخواطر تريح انفاسنا، وإذ بها دوران في ميزان الحيرة مصحوبا مع ضحكة دامعة تختزل بحركة ثقيلة من جسد منهك