بقلم\\ جهاد أيوب
• صوت جوليا ثاقب وحساس لا يزعج ويصل بمحدودية
• تتعامل جوليا مع صوتها وفنها بكسل دون السفر والبحث
• تبدع جوليا في الغناء الوطني والثوري ولا تقنعنا عاطفياً
• نجوى نجمة مزيج من جامعة صباح وأسلوب سميرة توفيق
• تمتلك نجوى بحة رائعة لا تعرف استخدامها أحياناً
• تتعامل نجوى بحساسية مفرطة مع الملحنين والشعراء ومن حولها يطبل لها كثيرا
جوليا بطرس : صوتها
( alto )
صوت جوليا هادئ، وثاقب، ولماح، يأخذك إلى أفاق ناعمة دون إزعاج، له خصوصية شفافة، ومن قماشه حساسة، ونظراً لعدم المغامرة والتنويع يصلنا بمحدودية ضيقة مع إن الفاهمين بعلم الأصوات يجدون فيه أكثر من ذلك، ولو أن صاحبته غامرت لكانت النتائج مغايرة كلياً
وبصراحة، ورغم أسلوب جوليا في إتقان الغناء الثوري، هي تتعامل مع صوتها بكسل لا يستحقه، وعلى ما يبدو لا تحب المغامرة ونشدد على المغامرة، ولا تسعى للسفر إلى نمط تلحيني وشعري مغاير لخطها، وهذا إن وافقت أو انزعجت يضر بصوتها وبتجربتها، ويضعها في مساحة تتكرر، وتضيق عليها وعلى مسامعنا، ولا أفهم لماذا لا تغامر وتنوع ولديها جمهورها الذي يحبها بتعصب، ويتقبل منها كل ما تغنيه، ويتبعها حيث تذهب في أنواع ما تغنيه وألوانها الفنية؟
النوع
نوع صوتها التو، تؤدي 11 مقاماً سليماً، يليق صوتها النابر بالوطنيات حتى الآن، وإذا غامرت وغيرت النوعية اللحنية والشعرية، وذهبت إلى من يسعى للبحث في صوتها داخل خبايا قد تجهلها هي سنتلمس تجارب ذهبية لأنها متزنة مثقفة ومؤمنة بما تقوم به
جوليا هي مارسيل خليفة النساء في الخط والاتجاه مع فارق أنها لا تلحن لكنها تشعر بفيض ما تغنيه وما يعانيه محيطها وأهلها، وتحس بما تقدم
تمتلك جوليا حساً مفرطاً، وهذا تملكته من موهبة التمثيل، وقراءة الشعر بأنواعه، والأهم لديها شخصية مسرحية محببة حتى البرهة لم تكشف عنها، وقد تلغيها من قاموسها، ولو إنها كشفت الستارة عنها، واقتحمت جنون التمثيل والغناء المسرحي لأحدثت ضجة وجدلية تصبان في صالح صوتها ومسيرتها… للمسرح الغنائي سحره وخصوصيته وثقافته وتلوينه تحتاجه قيمة كقيمة جوليا، وهذا يعطيها إضافة ولمعان وبريق وصفحات جديدة تبقيها في الذاكرة أطول هي تحتاجها الآن لأن العمر يمر، والصوت مع الأيام يتعب وقد يشيخ، بينما الغناء المسرحي يشبشبه، ويعطيه أسرار الرشاقة
التزمت جوليا الغناء الوطني وأجادت لا بل تفوقت بغناء القضية، وقلما أقنعتنا بالغناء العاطفي، والأغرب أننا نشعر كما لو كانت لا تجيد الغناء الدرامي لكونها لم تجرب الألحان والكلام خارج الخط الذي سجنت صوتها فيه، لذلك ادعوها إلى توسيع دائرة الملحنين والشعراء، وخلع معطف كلاسيكية الأداء والفكرة والشعر، وهنا لا بد من لفت نظرها إلى أن نوعية الشعر الذي تقوقعت في داخله لم يعد يضيف إليها مسافات ومساحات جديدة
في أغنية “وين مسافر” عبرت الدراما بذكاء يدل على ان التجريب تستحقه، وقد تعطي أفاقاً يحتاجها صوتها وتجربتها وجمهورها، ومع الموسيقار إحسان المنذر في “وقف يا زمان”، وتحديداً في المقطع الأخير الذي يتسم بالحماس الوطني أجادت فيه، ولكن المطلع الذي فيه عاطفة ووجدان لحني وكلامي لم تخدمه جيداً، ولا أدري لماذا لم يطلب منها صاحب اللحن أن تعيشه حتى الإحساس الحقيقي المطلوب؟
من المعروف أن جوليا حساسة جداً، وتعيش دراما إنسانية مفرطة إذا تلمست أوجاع الآخرين، وهي متصالحة جداً مع روح جوليا وتصرفها الخارجي، ولكن هذا لا يظهر أو يستغل في الغناء الدرامي والعاطفي، ومن هنا دعوة للمغامرة على أكثر من صعيد خاصة في الغناء العاطفي، في الغناء التراجيدي، في الغناء الرومانسي، وفي الغناء لألوان وأنواع موسيقية مختلفة مما هي عليه، ومما يقدمه زياد بطرس، والأهم الدخول في مغامرة المسرح مع الاستعراض
صوت جوليا نحتاجه، ونتعامل معه بحكمة وبمسؤولية، ومع الزمن لن يستمر في فوضوية الانتشارات الفنية المنوعة والكثيفة والمتجددة والغبية والتافهة والعاجزة لكنها تأخذ مساحة في زمن استهلاكي وسريع، على الصوت الجيد أن يثابر كي يبقى لا أن يعيش النق والهروب
• نجوى كرم : صوتها
( alto )
نجمة لا يستهان بها أحببتها أو لا، انتقدتها أو تعصبت لها، هي حاملة لواء الأغنية اللبنانية وبجدارة، وبمسؤولية ولا يوجد من يجاريها كأنها الوحيدة مع أن الواجب يفرض عكس ذلك، ولا يجرؤ غيرها على غمار هذه الهمة لكونها تطقن الموال وتعرفه جيداً، وتنشد التراث اللبناني إذا أرادت بحرية وبذكاء، وهي مزيج من جامعة الإسطورة صباح وأسلوب أميرة الغناء البدوي سميرة توفيق
صوت نجوى قوي، يمتاز بنبرة حادة، وفيه بحة محببة، وقد تصدح هذه البحة كنغمة إذا عرفت استخدامها وتطويعها وليس تركها منفلتة كما يحصل في كثير من الأحيان خاصة في الغناء المفتوح، في السابق لم تكن تعرف كيفية استخدام صوتها من فمها فعولجت تلك المشكلة عبر ملاحظات نقاد ومتخصصين
وأحياناً نجوى لا تعرف استخدام صوتها على المسرح، أي الغناء المباشر، وبالتحديد إذا تعمدت الغناء على طبقة عالية، فيخرج بأداء جهوري مزعج، وهذا الكلام لا يقلل من قيمة صوت نجوى، ولكن يحملها مسؤولية في اكتشافه أكثر، والتنبه له ولحضورها، وصنع طرق جديدة في توضيبه وتلميعه وإظهاره بأفضل حالاته، فهنالك طبقات منخفضة ناعمة لم تستخدمها نجوى إضافة لطبقات متوسطة، فرض عضلات الصوت لا يعني أهمية الغناء والصوت، وقد يخدش السمع ويضر بصاحبه، المهم إيصال الصوت النغمة بإحساس صافي وصادق وناعم دون تصنع، ونجوى تمتلك مساحة في صوتها تفرض عليها الغناء الهادئ واكتشاف ما ذكرنا
يعيق استمرارية نجوى قيود التعامل، والبحث عن الجديد في النص واللحن والعمل الغنائي ككل، ربما لو خففت نجوى من حساسية التعامل مع الملحنين بعيداً عن قيود التواصل، وانفتحت على الأكثرية الطامحة لتقديم ما يزيد من بريق حضورها لكانت النتيجة مدروسة أكثر ومتفوقة وحاضرة، وباعتقادي على نجوى اليوم، وبعد هذه المسيرة، والنجاح الذي حققته أن تقوم بخطوات جديدة ومغايرة لخطها وأسلوبها، وتقتحم ما تخافه في أفاق صوتها ونوع ما تغنيه، وبذلك ستجد فرص تنتظرها، وقد تترك لها بصمة وبالتحديد في الغناء الدرامي والاستعراضي والكلاسيكي بعيداً عن غناء العنتريات وما شابه
وحالياً، وهي في هذا العمر لا يتطلب من نجوى الغناء على الطبقات العالية فحينها تصرخ، وقد يختفي صوتها على المسرح، ويتعب فوراً، لذلك انصحها أن تهمس، وتغني بنعومة وهدوء، وحسب ما يطاوعها صوتها والحالة التي هي فيها
الخط
نجوى خط يُحترم، وتعاملت مع اسمها بعيداً عن الشوشرة، والزكزكات الصبيانية، ولا بد أن نعطيها حقها في هذا المجال، كما أنها هي الوحيدة من أبناء جيلها وما تلاه التي تلفظ الكلمات والمفردات اللبنانية بطريقة صحيحة، والباقيات لا يعرفن اللفظ حتى عند بعض الذكور ممن يمتلكون الصوت الجهوري والقوي
استطاعت نجوى أن تخلق جواً خاصاً بها قريب إلى البداوة على الطريقة اللبنانية، وأحياناً قريب إلى التراث اللبناني على طريقة البادية، وإن ركزت في بعض المرات على الأغنية اللبنانية شكلاً ومضموناً تجدها تتألق، ولكنها ميالة إلى المزج بين البادية واللبناني، ونلفت نظر من سيقرأ بأن ليس كل من غنى بلهجة معينة يعني أنه يغني التراث، فالتوزيع واللحن وطريقة نطق المفردات كلها ترسم الخط البياني لطبيعة العمل الغنائي، ونحن نحترم جهود نجوى في أن تغني الكلمة اللبنانية، وهذا من حقها وذوقها، ولكن للأغنية اللبنانية أو الخليجية أو المصرية خصوصية، وحينما نستوعب هذه الخصوصية نغرد ونبدع ونتفرد
وكما لا يغيب عن نجوى إن لديها شريحة كبيرة من الجمهور العربي، وهذه نقطة تصب في صالح نجوى إن وسعت دائرة الغناء بعيداً عن اللهجة اللبنانية ما دامت تمتلك الروح اللبنانية
هي مديرة أعمالها، لا تقبل إلا رأيها، ومن حولها مجموعة مطبلين لا يستطيعون تقديم الرأي والنصيحة، بل يهمسون لها بشكل دائم :”كل ما تقومين به رائع، ولا يناقش
تنتقي نجوى أغانيها بصعوبة مزعجة أحياناً، ولكن يتحملها الشعراء والملحنين لأنهم يؤمنون بصوتها وبنجاح ما ستقدمه حتى لو لم يستمر هذا النجاح طويلاً، يتحملون مزاجيتها في الاختيار لفقدان المنافسة والفرص في ساحة أصبحت شبه خالية من الأصوات الجيدة، ونجوى من الأصوات الجيدة، ولكن
ورغم إنتاج نجوى الغنائي الغزير أي كانت في كل سنة تنتج 12 أغنية، نصل خلال عشر سنوات إلى 120 أغنية وربما أكثر، وهذا دليل على إنها استغلت شركة إنتاج “روتانا” التي لا ترد لها أي طلب حتى الرمق الأخير، ولكن ورغم الكم الغنائي لم يعش في البال إلا اليسير مما يتذكره الناس، لذلك هي مطالبة بتوسيع دائرة اختياراتها والمغامرة مع ملحنين وشعراء جدد، وإذا كانت خائفة من الأسماء الكبيرة تستطيع أن تتعامل مع أسماء مغمورة شابة يتمنون رضاها، ونأمل أن لا يكون صحيحاً ما يشاع حول أنها وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها تكتب الشعر وتلحن أغنياتها، وهذا بالتأكيد سيضر باستمراريتها، وسيجعلها تتقوقع وتخفت إضاءتها الفنية، ونذكرها بأسماء كبيرة سبقتها، وللبخل والغرور أصبحت تلك الأسماء تلحن وتكتب الشعر وتغني حتى عجزت قبل الشيب، وانتهت من المنافسة
نجوى كرم صوت نطلبه في الغناء العربي، وشخصية تحمل الفن مسؤولية، ومع ذلك لا بد من نفضه غنائية، ودراسة واعية للأسلوب الغنائي، وتخطيط يختلف كلياً عما هي عليه نجوى اليوم حتى تترك بصمة وليس مجرد أغنية ناجحة