بقلم//جهاد أيوب يعزف كأنه في حالة حرب مع العشق، ويغرف من الوتر احاسيس الفؤاد معتمدا على ثورة شبابه المدرك لجنونه..هذا حال عازف الكمنجا والموسيقي اللبناني المعروف في بلاد الغرب أكثر مما نعروفه في بلادذنا حبيب البرتو الذي كرم منذ أيام من قبل “بيروت غولدن” في برمانا قدم حبيب تحيه موسيقية بعد تكريمه كانت ابلغ الكلام، وذهب باحاسيسه التعبيرية إلى ادهاشنا، وجن جنون صراعه مع نغماته حتى كسر الته وانحنى امام الحضور كطفل لا يبالي بما كسر وبما صنع، فقط اراد أن يعبر عن جنون انسجامه مع انغامه يلاحق حبيب النغم كما لو كان طفلا لا يكتفي بلعبة وحيدة، يريد لعبته وما تحتويه وما بعد حصوله عليها، اقصد هو حالة من الجنون المسكون بالبحث الدائم كل ما في هذا الشاب من حركة وتصرف وايماءات جسدية يغرق في اللحن، كأن هذا اللحن وغيره ينتظره، يدرك انه هو من يستحقه، وسره هنا، وعطفه هنا، وعشقه هنا، وخصامه هنا، ولكنه لن يهرب منه، يسعد اذا حبيب عزفه، يشعر النغم في استقراره، كأنه في بيته حبيب البرتو ليس عازفا عاديا، ومن المستحيل ان يكون كذلك، ومن الخطأ أن نبوح بذلك، هو حالة خاصة شاذة جامحة عن ما الفناه هو مجموعة هواة يركضون إلى نهر الموسيقى، يأخذون دون اكتفاء، ويبعثرون الانغام يمينا ويسارا حتى ايجاد ضالتهم هو الطفل النهم في شرب اللحن دون تعب، ويطلب المزيد إلى أن يقول له اللحن: لقد سجنتني بين اناملك وحركة يدك، وصهيل جنونك، وبيارق خصل شعرك، وثورة جسدك فاطلقني إلى ابعد من مجرد عزف وسمع ورقص وعشق حبيب البرتو يفرض عزفه وسحر الة الكمنجا برشاقة العارف بأسرار هذا العلم الموهبة الصوت اللغة الصرخة، يسرق منك الوقت، وتهديه زمانك ولحظاتك صاغيا حتى لو كنت متلبسا، تتجمد أمامه مذهولا ومنتظرا لجنون اكبر أنت ودهشتك تتمترسا امام عزف وشخص حبيب ولا تدرك ماذا ينتظرك، لكنك تتأمل الاندهاش من ايقونة العزف الرشيق، تسمع الجملة الموسيقية فتدرك انك سمعت هذه المقطوعة في زمن ما لكنها هنا مشبعة، تشبه العصر دون فوضوية الوقت، غنية بمفردات تزركش عباءة الماضي المتصالح مع الحاضر، وتطلب المزيد حتى تعيد اعجابك بتراثك ولا تخاف منه أو عليه ما يقوم به حبيب يعيدنا إلى زمن الاصالة والجمال الفطري الذي كان، وتراكمت عليه غبار الاستخفاف والجهل والاهمال، هو ينبش بتراث اجداده، يعيد الصياغة بمسؤولية المتيم، ويتصارع مع ما يسمع وما يضيفه العاشق الذي يهدي حبيبته اجمل ما لديه، وينظم خطوات انتقاله من نوت إلى نوت دون عبثية ودون ارتجال ودون صدفة يفكر حبيب بمعزوفته قبل ان يعزفها، يرتجل داخل حركته ونغماته فيسجل ما حدث في مهارة غير معتادة، يعيد التجربة، يجد لغة فضفاضة يشذبها يناقشها يلجمها يرسمها فيضعها في اطارها الصحيح بعد ان قررت الانفلات، هو ليس سجانا للنغم بل يعطيه حرية مشبعة بقيود الجمال
هو ليس عنيفا مع عزفه رغم عصبية ثورته التي تدخله إلى الوحدة مع ما يعزف وما يصلنا والصالة المسرح يعج بالمنتظرين المندهشين، يصبح خلال عزفه هو المحارب والخصم والفاعل والمفعول به وهذا يبعده عن الانفصال بين ما يفكر وما يفعل وما اوجده من صوت النغم المقطوعة الموسيقية فيتصالح مع كل جنونه واوتاره ليصل الينا كتلة من نار تشتعل لتنير درب مسامعنا، فننتظر المزيد الذي كنا نفتقده ونبحث عنه، ولكننا نجد ما لا يمكننا اكتشافه وما لا نتوقعه عند غيره حبيب ثروة في موهبة فياضة متدفقة ومتوهجة، شاب يشبه جيله دون غباء وسذاجة، بل يفرض علمه مشروعة الموسيقي بقدرات غنية يحسد عليها، ونحسد منها، ويؤمن بها الوطن مفاخرا وليس خجولا حبيب مع كمنجاه رساما للنغم، حارسا للتراث بالمعاصرة، أمينا على النغم العربي حيث معه يصبح عالميا، وزارعا على ضفاف النهر العربي جداوله دون حياء وخجل منها، هو من الشباب الواثق والشامخ والعابر رفضناه او أحببناه، لا يحتاجنا بل نحتاج أن نبحث عنه، وإن وجدناه وجب علينا أن نقف معه وبجانبه داعمين ومفتخرين لا ان نستخف بمشروعة ومشروعيته، وفاسحين المجال لهذا الجيل الشاب الذي تعلم من تراثه فعلمنا اصول التواصل يحتاج حبيب أن نرعاه باحترام، ونعطيه مساحة في صفحات اعلامنا وامسياتنا وذاكرتنا لا ان نلجمه، ونلجم زمانه وجيله بافتراضية السذاجة، وان المتاح دعارة وغباء وتسول للشهرة لمن ينتقد، وينق، ويثرثر عاقد الجبين متجهما، ويفاخر بأننا نعيش عصر الفراغات، واللاشيء، هذا حبيب البرتو تجربة موسيقية عازمة ماهرة لبنانية على مستوى نثق بقدراتها كي نطلقها إلى الآخر، ونتباها بها متحديين، ولا مجال للصدفة في تجربتها، وبعيدا عن الخجل حبيب قيمة وموهبة عابرة، الان جاء الدور كي نبرهن أن للفن الجاد الشبابي المتزن، والملتزم بالجمال النظيف، وبالعمق الحقيقي للنغم الحديث والمشبع بماضيه ارضية واثقة، وملاعب نقدمها له كي يجد بيننا مساحته قبل أن يهجرنا ويهاجر والغصة تجرحه وتقتله