بعد عمليات قطع الطرق الاساسية في البلاد، والتي اعتمدها الثوار منذ 17 تشرين الاول الماضي، سلاحا أوّل للضغط على السلطة السياسية، لتحقيق مطالبهم، يستعد هؤلاء لشهر أدوات جديدة، تدريجيا، في وجه اهل الحكم. هم يشيرون الى ان نصب الحواجز على الأوتوسترادات الرئيسية سيبقى ورقة قوية في جعبتهم سيلجأون اليها متى اقتضى الامر، خاصة وانها أثبتت فاعليتها. فوفق هؤلاء، الاعتصام على الطرق، معطوفا الى صمودهم في الساحات بأعداد كبيرة، كان اولى ثماره إرباك السلطة، التي وضعت ورقة اصلاحية في بداية الامر في محاولة لارضائهم، لم تف بالغرض، فواصلوا تحركهم الى ان سقطت الحكومة واعلن الرئيس سعد الحريري استقالتها. وبالتالي فإنهم لن يتنازلوا عنها
غير ان هذه الاستقالة لم تُستكمل بما يُرضي الثوار الذين ينتظرون تأليف حكومة تكنوقراط سياسية مستقلة سريعا. فالتسويف والمماطلة مستمران في السياسة، والدعوات الى الاستشارات النيابية لم توجه بعد، رغم مرور 6 أيام على استقالة الحكومة.
احتجاجا على هذا الواقع، تحرّك الثوار الذين انسحبوا لبرهة من الشوارع “في بادرة حسن نية”، مجددا، وعاودوا قطع الطرقات. لكن هذه المرة، ترافق تحرّكهم مع فتح المصارف ابوابها ومع استئناف عدد لا بأس به من المدارس والجامعات الدروس، تماما كما عدد من الشركات والمحال التجارية التي عاودت نشاطها. وقد تسبب ذلك بأزمة سير خانقة علق المواطنون بها لساعات امس. انطلاقا من هنا، يتدارس الثوار خياراتهم للاستمرار في انتفاضتهم، بشكل فعّال “يؤلم” السلطة، لا الناس الذين في معظمهم، يؤيدون الحراك. أبرز ما يتم التداول به في هذه المرحلة، هو تصويب تحرّكاتهم نحو مكامن الهدر والفساد في الدولة ونحو المرافق العامة لشلّها تماما، وهذا ما بدأ الثوار في عدد من المناطق بتنفيذه اليوم، حيث تجمعوا امام “السرايات” مانعين الموظفين من الدخول اليها، وامام مصالح المياه ومكاتب اوجيرو مثلا وهذا ما حصل اليوم في طرابلس وشحيم، في وقت نزل عدد منهم الى امام مجلس النواب، والبعض الآخر الى أمام شركات الخلوي وشركة كهرباء لبنان.
هذا التوجّه الجديد سيتزامن مع دعوات ستتكاثر للعصيان المدني، خاصة اذا ما استمرت المماطلة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة او اذا كانت طبيعة الحكومة التي سيتم تأليفها لا تلتقي والشروط التي وضعها الثوار اذ يكثر الحديث عن وجوه نافرة باقية في التركيبة الجديدة وعن صيغ تُدخل الاحزاب والتكنوقراط، معا، الى مجلس الوزراء العتيد.
فهذه الخطوة، اي العصيان، ستشكّل العنوان الابرز في المرحلة الثانية من الانتفاضة. وهنا، سيكون على المواطنين البقاء في منازلهم والامتناع عن التردد الى مكاتبهم او جامعاتهم او مدارسهم أو فتح محالهم التجارية وتسديد فواتيرهم للدولة، سواء كانت عن الكهرباء او المياه او للبلديات او محاضر ضبط (…)
والحال ان هذا النموذج بدأ يظهر تدريجيا في بعض المناطق، وقد تمرّد طلاب اليوم على قرار جامعاتهم استئناف الدروس واعتصموا امامها. اما ثوار طرابلس فأعلنوا العصيان. ومن المتوقّع، وفق ما يتردد في اوساط الثوار، ان يتوسّع بيكار العصيان، في قابل الايام ليشمل لبنان كلّه.
واذا لم يفعل هذا التصعيد أيضا فعله لدى السلطة، فتنصت لمطالبهم، فإن المرحلة التالية ستكون اعلان “الثورة”. لكن في هذه الحال، قد تتخذ طابعا اكثر تشددا وحزما من قِبل الثوار.
المصدر: وكالة الأنباء المركزية