طارق» شاب يشبه كل الشباب الناشطين في لبنان، متعلم ويعمل في شركة عالمية، منتج في المجتمع ويحترم القوانين ويطبّقها، رجل بكامل قواه العقلية والجسدية والنفسية. «طارق» يحمل فيروس السيدا، وهو متعايش معه، وليس مريضاً… من هنا تبدأ القصة
في كثير من دول العالم لم يعد الحديث عن السيدا او الايدز أو فيروس نقص المناعة من المحرّمات، كيف لا؟

بربكم، هل رأيتم ولو مرّة واحدة وصمة عار تلاحق مصاب السكري؟ لا لسنا في صدد التخفيف من اهمية هذا المرض، ولكن كما يتناول مريض السكري ادويته المزمنة لضبط مرضه، كذلك يفعل مريض السيدا للتعايش مع اصابته

على أيّ حال، الغموض في معالجة هذا الموضوع يضرّ ولا ينفع لأنّ التوعية أساسية للوقاية من الإصابة، لا سيما أنّ لبنان يشهد زيادة في عدد المصابين بالـ

«HIV»

تزامناً مع بداية شهر كانون الاول المخصص للتوعية ضد السيدا، أخبر «طارق» أحد المصابين بفيروس العوز المناعي البشري قصته لـ«الجمهورية» قائلاً: «كان لديّ بعض الشكوك حول اصابتي، فقررت الخضوع للفحص المحدّد للكشف… وهنا كانت الصدمة! النتيجة قطعت لي الشكّ باليقين. أنا مصاب بالسيدا! هذه القصة عمرها 8 سنوات، كان عمري 19 عاماً، ومازلت في الجامعة اتابع دروسي واعمل بدوام جزئي في احد الاماكن. النتيجة الايجابية للفحص صدمتني، شعرت برعب وخوف، تخيّلت أنني سأموت، لم استوعب ماذا يحدث في البداية. الى حين، تمكّنت بفضل الدعم النفسي الذي احاطني به محيطي من تقبّل اصابتي، ما ساعدني على الخروج من إيقاع الكآبة الذي كان يخنقني. عندها اصبحت مدركاً انه واقعٌ فُرِضَ عليّ ويجب التعايش معه… من هنا بدأت رحلة تعايشي مع السيدا»

السير قدُماً

لا تبدو على طارق ايّ عوارض مرضية، هو يشبهنا تماماً، لا بل افضل من بعضنا، في بحّة صوته ثقة وحيوية تحفّزعزمنا في سباق الحياة، فهو أدرك أنه ليس المهم ما يحدث لنا، بل الاهم ما الذي نفعله بما يحدث لنا

وتابع حديثه: «توجّهت لنيل المساعدة الطبية اللازمة، وتلقيت العلاج المناسب لي، بدأت البحث عن الجمعيات اللبنانية والعالمية التي تُعنى بمرضى السيدا، وانخرطت فيها. حصّنت نفسي جيدّاً من الناحية الطبية والنفسية، وقررت لا شيء غير السير قدماً إلى الأمام. اكملت دراستي الجامعية ولم اتخلَّ عن عملي الجزئي، حوّلت كلّ الطاقة السلبية الى اخرى ايجابية، ساعدت نفسي وقرّرت أن اكون فعّالاً في موضوع السيدا، وأن أساعد غيري، وهكذا صار

لبنان الأهم في التشخيص

الجهل بمرض نقص المناعة المكتسبة يساهم في انتشار المرض في لبنان والعالم العربي، هذا ما تؤكده الارقام العلمية في لبنان، التي كشفها لـ«الجمهورية» الاختصاصي في الامراض المعدية والالتهابية الدكتور ناجي عون قائلاً إنّ «نسبة الاصابة بالسيدا في لبنان تراوح بين 100 و200 حالة اصابة في كل سنة تقريباً، نصف هذه الحالات يصاب بها اللبنانيون والنصف الآخر هو حالات اكتشاف المرض عند اللاجئين السوريين والفلسطينيين. منذ 7 سنوات، كنّا نشهد سنوياً 100 حالة اصابة جديدة، ولكن تضاعفت هذه النسبة في السنة الماضية لتصبح 200 حالة جديدة سنوياً مع التشديد أنّ نصف هذه الحالات من اللاجئين، ونحن في انتظار تقرير

«National aids program»

لمعرفة الارقام الجديدة لهذه السنة

من جهة اخرى، تُعتبر طرق التشخيص في لبنان من الأهم في دول حوض البحر المتوسط، فنحن نملك الآليات والمختبرات التي تشخّص المرض سريعاً، ويمكننا القيام بالفحوصات اللازمة كـ

«CD4» والـ«Psr»

المخصّصين للكشف عن

الـ«HIV»

، واللذين يحدّدان نسبة المناعة وكميّة تكاثر الفيروس في الجسم بدقّة عالية، وتكون النتائج جاهزة خلال 24 ساعة. بالاضافة، الى الخبرة العالية التي يتمتّع فيها الأطباء اللبنانيون لا سيما في التشخيص السريري»

الدعم النفسي أساس

كون الشخص مصاباً بفيروس نقص المناعة لا يعني أنه سيموت، ويشكر د. عون «الدولة اللبنانية على جهودها ووزارة الصحة على نشر برنامج الإيدز

«Nap»

، وعلى الجهود لتأمين الأدوية المصنَّفة الرقم واحد في العالم والتي تؤمّن السيطرة على فيروس الـ

«HIV»

، وهي توزَّع مجّاناً من قبل وزراة الصحة. في المقابل، لا يموت أيّ شخص مصاب بالفيروس اذا التزم بالعلاج. وعلى كلّ متعايش مع المرض، أن يفهم أنّ العلاج يسيطر على الفيروس، ويحوّله إلى مرض مزمن كالسكري مثلاً، دون ايّ مضاعفات. توازياً، يلعب الدعم أهمية كبرى، وهناك جمعيات كثيرة تؤمّن المساعدات الإنسانية والقانونية والمادّية، بهدف تأمين العلاج المناسب، اضافةً الى اهمية الدعم النفسي للتخلّص من الضغوطات النفسية والاجتماعية

الزواج والإنجاب ممكن

اثبتت كل الدراسات العلمية أنّه يمكن للمصاب إكمال حياته طبيعياً وممارسة عمله بشكل عادي، ما يجب أن يحفّز وزارة العمل على تطوير القانون في ما يخصّ القيام بالفحوصات الطبّية قبل استلام أيّ وظيفة، والتي تبعد فيه المتعايشين مع المرض وتهمّشهم

ويشير عون الى أنّ «كلّ الدول المتطوّرة كأميركا وأوروبا لا تطلب هذا النوع من الفحوصات حتّى للعاملين في القطاع الطبي. وعلى الجميع معرفة أنّ المتعايش مع المرض هو أكثر التزاماً بأدويته من أيّ مصاب بأيّ مرض آخر، ويهتم بصحته كثيراً خوفاً من تراجع وضعه الصحي أو نقل العدوى الى شخص آخر. فلا يجب أن يخاف صاحب مؤسسة أو زميل عمل أو أحد من معارف المتعايش مع السيدا، لأنه ببساطة لا يمكن انتقال الفيروس الّا بالدم أو بالعلاقة الجنسية. ونَذكر أنّ الفيروس يعيش 3 دقائق فقط خارج الجسم. في المقابل، يمكن للمتعايشين الملتزمين بالعلاج إكمال حياة اجتماعية وعاطفية بشكل طبيعي، كما يمكن أن يتزوّجوا ويُنجبوا الأطفال، تحت رعاية صحّية في مراكز متخصصة

الواقي الذكري… ضرورة

الإهمال في الوقاية من الامراض خطير جداً، ويوصل المرضى الى تداعيات خطيرة يمكن تفاديها، ويشرح د. عون أنّ «التوقف عن العلاج، يؤدّي الى تفاقم الفيروس والانتقال الى شخص آخر. واشدّد على ضرورة وأهمية استعمال الواقي الذكري، لا سيما اذا كان الشخص لا يدري ما هو وضعه الصحي. كذلك توجد ادوية متوفرة تمنع التقاط فيروس الـ

«HIV»

(للاشخاص الذين لديهم علاقة ثابتة مع مصاب)، يأخذها الشريك قبل ايام محدّدة من القيام بالعلاقة الجنسية، ولا يمكن الحصول عليها بمجرد شرائها من الصيدلية، بل تحت إشراف طبي من اصحاب الاختصاص. وأخيراً، اتمنى على جميع المعنيين (مدارس- جامعات…) نشر التوعية اللازمة لا سيما في ما يخصّ الامراض المنتقلة جنسياً كالسيدا وغيرها، خصوصاً أنّ الإصابات نشهدها في الغالب لدى فئة الشباب وهم في طور اكتشاف طاقاتهم الجنسية

وصمتكم يقتلنا

لحسن حظ طارق أنه يعمل في شركة عالمية لا تعرّضه لأيّ وصمة تمييز أو عار، وهو يختم حديثه معنا قائلاً «أنا اتمتع بحياة طبيعية من جميع النواحي، حتّى في ما يخصّ حياتي الجنسية، فالأدوية التي اتناولها باستمرار والحقن التي اجريها تمنع العدوى، بالاضافة الى الواقي الذكري الذي يحميني ويحمي الشريك الآخر من أيّ مرض. كذلك، أنا مندمج بإحدى الجمعيات العالمية واشارك في المشاريع التوعوية في الكثير من دول العالم. أخيراً، ادعو كل مَن يعتبر نفسه معرضاً للإصابة التوجّه للكشف المجاني المتوافر في لبنان، وللمتعايشين مع المرض، احصلوا على الدعم النفسي الذي تؤمّنه جمعيات كثيرة تُعنى بهذا الموضوع لإكمال حياتكم بشكل طبيعي. أمّا للمجتمع ككل، فابتعدوا عن الوصمة، فهي غير مبرّرة، الفيروس لا يقتل بل صمتكم يقتلنا

المصدر: الجمهورية