خرج من بين صفوف الناس التي جاءت لتشاهده، فرحوا به، وقفوا احتراما، وصفقوا تأكيدا على انه لا يزال نجمهم، طالت همروجة الترحيب، وطال انتظار خشبة المسرح له، الجمهور يريده ان يبقى على مستوى واحد معه، ولكن الاطلالة تتطلب الصعود إلى خشبة المسرح… هو أحمد الزين بعد أن تنشق عطر الفن في ظروف صعبة في حينة، هو الذي شرب الموهبة كما شرب الصبر وماء البقاء، هو الذي اغتسل برياحين الأمل كلما اسودت مفاتيح اللحظات، هو الذي سهر بكد الانتظار حافرا في الصخر مسيرة مغلفة بالقلق والاوجاع، وصد الطعنات، وفسحة صغير فيها محبة ليوم جديد! أحمد الزين صعد على المسرح الشعبي وعلى اكتافه حمل سنوات مضت، تناسى العمر والمرض، ولاح جسده مع نسمات الريح كلما صفق ضحك اعجب جمهوره، الجسد لم يعد ذاك الجسد، والعمر لم يعد في ربيعه، والصوت في حضور الموهبة القضية يرتفع، يلعلع راسما انفاس الناس. خبرته جعلته يتحكم بحركته، وبايماءات نضراته ووجهه، ورغم انه امسك بكل تفاصيل الخشبة الصغيرة، النص المباشر، الحوار الصافع، ومغازلة من يشاهده بالاسم، وخبرة 50 سنة في الفن كانت مشبعة، ورغم شعوره هو بعودة شبابه كان شعورنا نحن المقربين معاكسا، نعلم بمرضه، وبأنه قبل صعود الخشبة تناول الدواء، وبأن البال يشبه حالنا، والجسد منهك يشبه الوطن! راقبناه بقلق وهو يطير برشاقة، همهمنا بداخلنا خوفا وهو ينير الحكاية بنسمة لا يعرفها غير الكبار من أهل الموهبة الذهبية، سقط قلبنا عشرات المرات كلما سقطت قطرة ماء من عرق الجهد الذي يبذله تمثيلا، وهو غارقا بدوره حتى الثمالة، كأنه يقول لنا :”أنا احلق في ملعبي، وأكتب صفحاتي”… وفجأة ازداد الخوف في لحظة محاسبته من تاريخ جده، شعرنا أن الممثل أحمد الزين يلملم لحظاته، وسقط على خشبة المسرح من الارهاق، لكنه بذكاء الممثل جعل من السقطة حركة تمثيلية موفقة فارضة على الجمهور الترحيب بالسقطة، ولا بل جعله يمعتقد أنه يجلس قرب تابوت الماضي… بخفة طلب من شاب قريب الماء، والكل صعد على زاويته حاملا الماء… هنا اصبنا بالخوف الجامح، فهمنا أنه لم يجلس من دوره بل من ارهاق التعب، وبسرعة البرق انتصب أحمد الزين مجددا كما لو أن الحدث حكاية بمشهد عابر! هؤلاء الكبار نادرون، يغرقون في نهر النجاح، ويسبحون في بحر العطاء، يلجمون اوجاعهم كلما سمعوا فرحة المحبين، وابتسامة الناس، ويشعرون بالولادة من جديد كلما احيكت كفوف جمهورهم ترحيبا جديدا، وأحمد الزين هو من فرسان زمن الكبار، من ايقونات التعب في الفن حتى يسعدنا، ومن حاملي رايات تختلف عن الرايات. شكرا أبو حسن لقد امتعتنا وانت في عمر التعب، واسعدتنا وانت تمتلك الحزن، وصفحتنا وانت الصافع والمصفوع لأنك تشبهنا، وتمثلنا، ومنا، وتحمل صورنا بكل تفاصيلها… نعم يا أبو حسن لك طول باع في مشوار التعب والشوك، وخضت، وتخوض معركة اثبات الوجود في زحمة العنصرية والطائفية والحرب اللبنانية التي كانت ولا تزال في مفهوم المواطنية والعيش. شكرا أحمد الزين لأنك لا تزال تضوي امسياتنا، وتشعلها حنينا، وبهجة، ودموعا… *حدث ذلك في العرض الاول لمسرحية ” المنجم” بدعوة من بلدية البيسارية، وعلى مسرح مفتوح في مدرسة البلدة، ولعمل من تأليف وإخراج محمد النابلسي، وبطولة القدير احمد الزين، وبمشاركة فؤاد حسن، ووليد سعد الدين، وهادي طراد