نؤرخ اليوم الذكرى ال 95 لولادة المفكر اللبناني الراحل الدكتور حسن صعب “ابو الانماء”. ولهذه المناسبة يستذكره الزميل محمد ع. دروش بهذه الكلمات
حسن صعب المفكر الاسلامي والدبلوماسي وأستاذ علم السياسة والمبشر بمعجزات الثورة العلمية والتكنولوجية وطليعتها ثورة الاتصالات الاعلامية والمناضل اللبناني العربي، والمنادي بحتمية التواصل الانساني
ولد حسن صعب في مدينة بيروت بتاريخ 15/10/1922، وحيدا من زواج أبيه وأمه القصير العمر. فوالده حسن صعب الذي حمل اسمه توفي قبل ولادته بثلاثة اشهر، وكان عائدا من مصر بطريق البحر فدفن في فلسطين. ووالدته حفصة نعماني
بدأ دراسته في ابتدائية أبي بكر الصديق، من مدارس جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت، عام 1935 اختار المفتي الشيخ محمد توفيق خالد مجموعة من طلبة المقاصد للدراسة في الكلية الشرعية في بيروت”المعروفة بذكرى خالد والحوت”، “عرفت لاحقا بثانوية أزهر لبنان” وضمت الى حسن صعب، محمد البعلبكي، بهيج عثمان، ثم اختار دفعة ثانية أبرز من فيها حسن خالد “مفتي الجمهورية اللبنانية لاحقا” سهيل ادريس، طه الولي، بعض هؤلاء التلامذة انتقل الى الدراسة المدنية باكرا كمحمد البعلبكي، اما حسن صعب وبهيج عثمان انتقلا الى كلية الآداب بجامعة القاهرة حيث نالا شهادة الليسانس عام 1942
في جامعة القاهرة كان حسن صعب لولب الحركات الطالبية وقائد المظاهرات المطالبة بالاستقلال والحرية. وعندما قاد تظاهرات الترحيب بأول وفد استقلالي لبناني يزور القاهرة برئاسة رياض الصلح عام 1943 ، طلب منه رياض العودة الى لبنان للالتحاق بوزارة الخارجية
وفي طريق عودته برا الى بيروت اعتقلته السلطات البريطانية في فلسطين عقابا على نضاله الطالبي العربي في مصر. ولم يفرج عنه الا بعد ضغوط كبيرة مارسها أصدقاؤه في بيروت. بدأ حياته الدبلوماسية مع أول مباراة في وزارة الخارجية عام 1944 فألحق بمفوضية لبنان في باريس عامي 1945 – 1946 ضمن البعثة الدبلوماسية التي يرأسها أحمد الداعوق، ثم كنائب قنصل في اسطنبول (1946 – 1947)، فرئيس لدائرتي الصحافة الثقافية في الادارة المركزية لوزارة الخارجية اللبنانية (1947 – 1950) ثم عين سكرتيرا للسفارة اللبنانية في واشنطن وقائما بالاعمال بالوكالة (1950 – 1956) وكان السفير يومها، شارل مالك. وفي واشنطن أنهى دراساته العليا ونال الدكتوراه في علم السياسة عام 1956 من جامعة جورج تاون
وعاد الى الادارة المركزية لوزارة الخارجية عام 1956 ليصبح مستشارا ومديرا للشؤون السياسية بالوكالة. عام 1957 وكان استاذا في الجامعة الاميركية في بيروت، تعرف الى نعمت حبيب غندور، فتزوجها، وانجب منها ولداه حسان ومروان. وأسس عام 1958 الجمعية اللبنانية للعلوم السياسية وكان أول رئيس لها
استقال من وزارة الخارجية عام 1960 ليخوض معترك الحياة السياسية العملية بعد أن درس علم السياسة في مختلف الجامعات في لبنان
عام 1964 قرار الاستقرار النهائي في بيروت. استقال من السلك الدبلوماسي نهائيا وانصرف الى التدريس الجامعي والكتابة. وأسس ” ندوة الدراسات الانمائية” التي قدم لها الجزء الأكبر من حياته وأطلق من خلالها، بداية الوعي الانمائي، وضرورة تحقيق ثورة انمائية أرادها شاملة وفي مختلف الحقول
وإثر هزيمة حزيران ناقش حسن صعب، في مقالٍ له في مجلة الآداب بعنوان : “نحو دولة عربيّة جديدة،” العبرةَ التي يجب أن يستخلصَها العرب بعد انهزامهم في ثلاث حروب مع “إسرائيل” بين العامين 1948 و1967. يقول إنّ استراتيجيّة نصر “اسرائيل،” الكامنة في “التفرّد بكلّ دولة عربيّة على حدة،” تدعو إلى التفكير، “سلوكيًّا وعمليًّا لا مبدئيًّا ونظريًّا أو عاطفيًّا” بالوحدة العربيّة
لكنّ للوحدة العربيّة التي يَنْشدها حسن صعب مفهومًا مغايرًا للمفهوم التقليديّ، المتمثّل تاريخيًّا في مناهضة الاستعمار الغربيّ أو العثمانيّين. الوحدة عنده تنطلق من غايتها في وقف استراتيجيّة “إسرائيل،” وذلك بعد فشل كلّ أشكال التضامن العربيّ في الحروب الثلاث
يضع دكتور صعب العربَ أمام خيارين لا ثالث لهما: “إمّا الوحدة العربيّة وإمّا اسرائيل.” ويعتبر أنّ الوصول إلى الوحدة العربيّة هو النهج الوجوديّ الذي يتوقّف عليه النهجُ الديبلوماسيّ الجديد في الدول العربيّة
اما كتابات حسن صعب فهي كالتالي
1
كتب في علم السياسة، فردم الهوة ما بين الفكر السياسي والحياة السياسية. وشرح البعد الوظيفي لعلاقة الحاكم بالمحكوم ، معتبراً أنها تقوم على أساس الثقة والاحترام والتكافل والتضامن ، لا التأليه ولا الازدراء. ولخص علم السياسة بأربع كلمات ، إذ قال ” موضوعه القدرة و غايته الحرية
2
وكتب في الإسلام خصوصا، والدين عموما، ولا سيما في كتبه الثلاثة “إسلام الحرية لا إسلام العبودية”، و “الإسلام وتحديات العصر”، و “الإسلام والإنسان”
ونذكر هنا اهم ما قيل في كتاب “الاسلام وتحديات العصر” للدكتور صعب
… ان ما صنعه الدكتور صعب يهنأ عليه من صميم القلب … لقد حاول بعمق وثقافة غنية وبأضواء بهية سخية ايضاً ان يفهم القديم فهماً جديداً تماماً يعني أن يعيد اليه رحابته وروحيته وقد كانت قراءته متعة
رئيف خوري – الآداب شباط 1967
… قليل من الكتب هزني، واؤكد لك انه رغم نقدي اياه، هزني هزاً عنيفاً واني عندما قرأت بعض المداخل ولا سيما الفصل الثاني أو الاول الذي حددت به منطلق الاتجاه لتحدي الاسلام للحياة العصرية اعتززت بك كثيراً
صبحي الصالح – الآداب شباط 1967
… كتاب الاسلام تجاه تحديات الحياة العصرية … حدث فكري وروحي في آن واحد: فهو فهم جديد لرسالة الاسلام الدينية في ضوء الحداثة العلمية، يضع قدرة العقل ولا محدوديته فوق جميع التحديات المذهبية او الدينية التي تحده وتعلن عجزه … ان هذا الكتاب بمثابة البرق الذي يجب ان يمتد في الحياة والفكر الاسلاميين، ويتجسم في فجر شامل لا عتمة بعده
ادونيس، لسان الحال، 28 تشرين الثاني 1965
… رحبت بكتابك “الاسلام تجاه تحديات الحياة العصرية” بالغ الترحيب. فالقضايا التي تعالجها فيه هي من الخطورة بمكان. وليس يليق بنا ان نتمادى في تجاهلها … وأهمها قضية الانسان والدين … والذي يسحق التقدير في كتابك هو انك استطعت ان تعرضاً فيه تلك القضية الأساسية وما يتفرع عنها من قضايا عرض دقيقاً، شاملاً. وصريحاً منتهى الصراحة، رغم ان الموضوع شائك وحساس الى أقصى الحدود. فكنت متنزناً في عرضك، ومتعمقاً في تعليلك وتحليلك وجريئاً ومخلصاً في ما تقترحه للقضايا الأساسية من حلول. وأنت قد أحسنت الى العرب واسلامهم أي احسان، أذ تصديت الى عرض مشكلاتهم عرضاً علمياً واسعاً ونزيهاً من كل غاية الا غاية الخروج بهم من تلك المشكلات
ميخائيل نعيمه، الحياة 30 تشرين الثاني 1965
3
وكتب في العروبة والعرب وثقافة العرب : “العرب يبدعون مستقبلهم”، “نظرة جديدة إلى الاتحاد العربي”، الإنسان العربي وتحدي الثورة العلمية والتكنولوجية، ويعتبر كتابه “تحديث العقل العربي” من الكتب التي تدخل في عملية النقد الذاتي التي يمارسها هذا العقل “العربي” على نفسه، إيمانًا منه بأنّ عملية بناء العقل، المنطق، الثقافة، الفكر، تبدأ من النقد الذاتي الذي يمارسه العقل على تجلياته في مختلف المستويات من خطاب “اللغة” إلى سلوك “الأخلاق” إلى الممارسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية…إلخ
4
ومن كتبه أيضاً وأيضاً : المفهوم الحديث لرجل الدولة، ثورة الطلاب في العالم، الوعي العقائدي، اليونسكو، مقدمة لدراسة علم السياسة، الدبلوماسي العربي : ممثل دولة أم حامل رسالة ؟، اعجاز التواصل الحضاري الاعلامي اللحظوي، شخصيات عرفتها وأحببتها، لبنان العقل لا لبنان العنف
5
ومن مؤلفاته بالانكليزية : الفدراليون العرب في السلطنة العثمانية، الصهيونية والعنصرية. ومن ترجماته إلى العربية : الديمقراطية ، للرئيس بنيش، الأمم المتحدة، للدكتور بارين، مناهج الدراسة الخارجية، لمكريديس، أوروبا الجديدة ، لستيفن جرو بارد
مؤسسة حسن صعب للدراسات والأبحاث ” محمد ع.درويش