نبه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من “خطورة تداعيات أزمة النزوح الكثيف من سوريا إلى أراضينا وما تحمله من مخاطر على وجود لبنان والذي سينتهي بصيغته الفريدة إن لم يعد النازحون واللاجئون إلى بلدانهم”، معتبرا “إن قوة الدبلوماسية السياسية الفاعلة تنبع من مدى المحافظة على استقلاليتها ومدى إلزام الحلفاء والأصدقاء والمخاصمين بضرورة احترامها
كلام الوزير باسيل جاء خلال حفل اداء الديبلوماسيين الجدد الذين تمت الموافقة على تعيينهم بصفة ملحقين متمرنين، اليمين امام اللجنة الادارية في حضور كبار الموظفين في الوزارة. وتوجه اليهم بالقول: “تدخلون الوزارة بعد أسابيع من إقرار مجلس النواب قانون استعادة الجنسية، ولتتزامن لحظة التحاقكم بلحظة انطلاق جهد وطني كبير يعيد لأصحاب الحق حقوقهم فنعيد الجنسية لأبنائنا المنتشرين في 167 دولة في العالم وتعيدوهم إلى أحضان الوطن. أنتم مسؤولون عن الخطوات الأولى من هذه الورشة الوطنية والتي قد تكون الأهم في إطار إعادة بناء الوطن وتكريس الهوية
وكان الوزير باسيل قد استهل كلمته بالقول: “أهلا وسهلا بكم أعضاء في السلك الدبلوماسي اللبناني. تأتون من خلفيات مختلفة لتنصهروا في سلك ميزته العراقة وأساسه تقليد وممارسة وُجدت منذ أن بادر المسؤولون الدوليون في تاريخ الأمم إلى تبادل الرسائل بواسطة المبعوثين. عراقة هي فعل انسجام مع أصول الدبلوماسية، والتي هي بدورها نتاج تراكمي لخبرة عمرها من عمر تاريخ لبناننا الحبيب. تنضمون اليوم إلى عائلة كبيرة رفعت إسم لبنان، ولطالما رافعت للدفاع عن حقوقه في جميع المحافل الدولية. تنضمون اليوم إلى وزارة هي مدرسة، ركائزها قيم ومبادىء نأمل منكم أن تتقيدوا بها وبتعاليمها كما نتوقع منكم أن تتقيدوا بتعليماتها أثناء ممارستكم لمهنتكم
وقال: “تنضمون إلى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية بصفة دبلوماسي متدرب ولكي تدخلوا هذه الوزارة عند تثبيتكم بعد سنة بشكل نهائي. نحن نتوقع منكم أن تكونوا أبناء هذا القرن الواحد والعشرين دون أن تتنكروا لجذور العراقة وأصول الممارسة، فتحافظوا على هذه الأصالة وتواكبوا تطورات العصر وتقنياته المتجددة لتغذوا الدبلوماسية اللبنانية بروح دينامية، وهكذا تستحقون أن تكونوا جزءا منها. إنها اليوم مسؤوليتكم أن تساهموا في نهضة الوزارة انطلاقا من تطوير عمل إدارتها المركزية فتتدربوا أحسن تدريب في مختلف دوائرها قبل أن تنطلقوا إلى أصقاع العالم وتضخوا في بعثاتها دما جديدا يمكن الدبلوماسية اللبنانية من حمل رسالة بلدنا ورفع رايته. سوف تتكون فترة تدريبكم خلال الأشهر القادمة من ثلاثة أقسام متكاملة: مرحلة تدريب في الوزارة للتأقلم مع وحدات الإدارة المركزية ونمط عملها. دورات تدريبية في معهد الإدارة الوطنية وغيره اذا ما امكن، تشمل مواضيع ومواد ووضعيات متنوعة ستجدون نفسكم في صلبها: من تنظيم مؤتمرات إلى التقيد بالبروتوكول مرورا بصياغة التقارير بغية تزويد الوزارة بالمعلومات والتحليلات. فالدبلوماسية فن ولباقة: لباقة في التفكير والتعبير وفن في التعامل والسلوك. فترات تدرب في عدد من الدول، أو في مهمات خاصة لوزارتنا ومؤتمرات منظمة من قبلنا، إما في معاهدها الدبلوماسية أو في إطار التعاون المؤسساتي الثنائي بين وزارتنا ووزارات خارجية هذه الدول. وهي ستكون مناسبة لكم لتطوير مهاراتكم اللغوية وللتفاعل المباشر مع الانتشار اللبناني
وتابع: “مسؤوليتنا اليوم أن نحسن اندماجكم ومسؤوليتكم اليوم أن تسرعوا في كسب الخبرات والمعلومات. مسؤوليتنا غدا أن نبقي على وحدة الجسم الدبلوماسي في الكلمة والفعل ومسؤوليتكم غدا أن تبقوا موحدين في الفكر والنهج الوطني فتتعالوا عن الصغائر والانقسامات والمصالح الفئوية والشخصية وتكرسوا عملكم اليومي لخدمة البلد
وقال:”نتطلع إلى دوركم في تعزيز محاور الدبلوماسية اللبنانية الأربعة وهي اولا، الدبلوماسية السياسية وهي القائمة على التمييز بين العدو والصديق وبين مصلحة الدولة العليا ومصالح بعض أبنائها التي لا يمكن أن تعلو على مصلحة لبنان واللبنانيين. فلا تنسوا أن أجزاء من أرضنا لا تزال محتلة من قبل إسرائيل التي تنتهك سيادتنا يوميا أرضا وبحرا وجوا. كما لا يجب أن يغيب عن بالكم أن قواتنا العسكرية منخرطة في مواجهة تنظيمات الإرهاب المعولم مثل داعش والنصرة والتي لا تزال تحتجز خيرة أبنائنا. كما يتوجب عليكم أن تتيقظوا لخطورة تداعيات أزمة النزوح الكثيف من سوريا إلى أراضينا وما تحمله من مخاطر على وجود بلدنا والذي سينتهي بصيغته الفريدة إن لم يعد النازحون واللاجئون إلى بلدانهم. في المقابل، يبقى الاتكال عليكم وعلى نشاطكم لتوطيد علاقاتنا مع المجتمع الدولي، محافظين على أولوية مصالح لبنان، دون التأثر بمدح من هنا أو الرضوخ إلى ضغط من هناك. إن قوة الدبلوماسية السياسية الفاعلة تنبع من مدى المحافظة على استقلاليتها ومدى إلزام الحلفاء والأصدقاء والمخاصمين بضرورة احترامها
وأضاف:” ثانيا الدبلوماسية الاقتصادية، نرى فيكم، حاملين لماركة لبنانية مسجلة نصدرها إلى العالم من خلال جهد اقتصادي يزيد من صادرات منتجاتنا ويجلب إلى أسواقنا الاستثمارات والتمويل المنتج، فنساهم سوياً بنقل لبنان من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ذات قيمة مضافة. لا عيب في أن يساهم الدبلوماسي في الترويج لبضاعة صنعت في لبنان ولشركات أنتجت في لبنان وعملت فيه وفي خارجه ولأسواق مالية ساهمت في استقراره وازدهاره. وهدفنا أن نعيد للزراعة اللبنانية رهجها في العالم، وللصناعة اللبنانية المنتقاة ميزتها التفاضلية بين الدول مركزين على نوعية المنتج اللبناني وجاذبيته، خاصة فيما يتعلق بالمائدة اللبنانية. كما أننا نتطلع إلى تطوير قطاع الخدمات حتى لا يقتصر على تلك المالية والنقدية بل يشمل ما يصنعه اللبناني من فن وفكر وإبداع. المطلوب هو مواكبة جهود وزارات أخرى في إعادة لبنان إلى خارطة الدول السياحية وإلى إدراجه على رأس لائحة البلدان التي تتميز بقطاع صحي وطبي وعلمي وفني وثقافي إن من ناحية الاختصاصيين أو من ناحية الإمكانيات والتقنيات
وتابع:”ثالثا، الدبلوماسية الثقافية وهي الرسالة التي تحملون، رسالة مجتمع قائم على قيم التسامح والتآخي والعيش الواحد بين جميع أبنائه، رسالة دولة قائمة على مبدأ الديمقراطية وعلى أساس نظام المناصفة في الحكم بين مسيحييها ومسلميها. إن التعددية موجودة في كل الدول، لكن المناصفة هي سر لبنان وصيغته السياسية الفريدة. رسالة شعب، أسس كيانه متغلبا على الطغيان والفرسان والسلطان والعدوان، وعلى سلطنة وانتداب واحتلال ووصاية. شعب كسر جميع القيود وتمرد على كافة الأغلال ليعيش حرا
وقال:”رابعا، الدبلوماسية الاغترابية، تلتحقون اليوم بوزارة الخارجية والمغتربين، وهم، أي المنتشرون، شريان يضخ الحياة ليس فقط في جسمنا الدبلوماسي لا بل في الجسد الوطني، ويكبرونه فيكبر لبنان بمعيتهم، حتى أصبحنا نفتخر بأن حدودَنا هي العالم. تدخلون الوزارة بعد أسابيع من إقرار مجلس النواب لقانون استعادة الجنسية ولتتزامن لحظة التحاقكم بلحظة انطلاق جهد وطني كبير يعيد لأصحاب الحق حقوقهم فنعيد الجنسية لأبنائنا المنتشرين في 167 دولة في العالم وتعيدوهم إلى أحضان الوطن
أضاف:” أيها الدبلوماسيون الجدد، تدخلون إلى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية في ظل تحديات محلية إقليمية ودولية يمر بها لبنان. أمامكم ورش جمة ومسؤوليات جسام. ستواكبون خلال العقود القادمة مسار إعادة بناء الدولة اللبنانية وعصرنة أجهزتها، ستواكبون مكننتها وتصنعون نقلتها التقنية وتنجزون مأسستها بعد ما عانت من إهمال وبعد ما نخر جسدها من محسوبيات وفساد.انطلاقا من تمسككم بنهائية الدولة اللبنانية وبميثاقها وبدستورها، ستعيدون لبنان إلى قلب المعادلات الإقليمية والدولية، فهو حاجة للسلام بين الدول وهو ضرورة للاستقرار في المنطقة. إن خسر لبنان تخسر الأمم أهم نموذج تعايش في العالم. وإن بقي لبنان ونما وازدهر وقوي، تنتصر الإنسانية وينتصر الإنسان على الحروب والظلم والانحطاط
وختم:”ستصولون وتجولون، ليس فقط حفاظا على المصالح السياسية والاقتصادية الوطنية، إنما بحثا عن أقاربنا البعيدين، عن أولئك المتحدرين من أصل لبناني لمنحهم جنسية بلدهم، إن نسوه فهو لم ينساهم. إن دوركم في تطبيق الشق القنصلي والاغترابي من قانون استعادة الجنسية هم محوري. إنتم مسؤولون عن الخطوات الأولى من هذه الورشة الوطنية والتي قد تكون الأهم في إطار إعادة بناء الوطن وتكريس الهوية. ثقتنا بكم هي على قدر ما أظهرتم من دماثة في الأخلاق وسهر على الأمانة أثناء خضوعكم للمباريات، وهي ستكون على قدر عملكم وسلوككم والتزامكم. نريد أن نثق بكم. إنما نريدكم أن تعرفوا أن التغلب على التحديات والقدرة على الابتكار ومسيرة الانجازات لا تتحقق ما لم تثقوا بأنفسكم ولن تتحقق إن لم تثقوا ببعضكم البعض وبوزارتكم. مبروك لكم نجاحكم، وأهلا وسهلا بكم في عائلة تفرح بأولادها الجدد
رحيمي
وكانت كلمة للامين العام للوزارة السفير وفيق رحيمي الذي رحب بالديبلوماسيين الجدد في السلك الديبلوماسي مشيدا بالمؤهلات التي مكنتهم من اجتياز مباراة مجلس الخدمة المدنية التي استمرت وقتا طويلا، مشددا على ضرورة دخول السلك “من بوابة الوطن الى ساحته الرحبة لا ان تعبروا اليه من بوابة الطائفة او المنطقة او الحزب”، وعلى ان تكون “في طليعة مهماتكم في الخارج الدفاع عن مصالح لبنان واللبنانيين وابراز وجه لبنان والدفاع عن السياسات التي تزودكم بها الوزارة دون استفزاز مشاعر مواطني الدول التي تعملون فيها ومن خلال احترامكم للقوانين التي ترعى العلاقات الديبلوماسية والقنصلية مع المحافظة على الاعراف والتقاليد
وختم رحيمي:” ان قسمكم اليوم يعني الوفاء للوطن وللمؤسسة التي انتسبتم اليها والمحافظة على اسرارها والعمل على كل ما يعزز رفعتها ويقوي شوكتها