نظم حزب “القوات اللبنانية” احتفالاً في ذكرى الإبادة الأرمنية تحت عنوان:”قصة حياة وموت… وحق ما بيموت”، في المقر العام للحزب في معراب، في حضور: الوزيرة السابقة منى عفيش ممثلة الرئيس ميشال سليمان، النائب وليد خوري ممثلاً العماد ميشال عون، الوزير آرتور نظاريان، الوزير ميشال فرعون ممثلاً بمدير مكتبه سيبوه مخجيان، النواب: هاغوب بقرادونيان، باسم الشاب، سيبوه قلبكيان، نعمة الله ابي نصر، سليم سلهب، شانت جنجنيان، غسان مخيبر، و، وحشد من الوزراء والنواب السابقين والفاعليات السياسية والديبلوماسية والدينية والاجتماعية
وألقت المديرة التنفيذية لـ”الهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط” الدكتورة فيرا يعقوبيان كلمة أكاديمية حول تاريخ الأرمن والمجازر فقالت:” كتب نعيم بك السكرتير الاول لدى المدير العام المساعد لشؤون المنفيين الارمن في مذكراته ما يلي:”اعتقد بأن مسألة النفي والقتل المفجعين للارمن تجعل اسم التركي حليفا باللعنة الابدية للانسانية، لانها لاتشبه أيا من الوقائع الرهيبة التي سجلها التاريخ العالمي حتى اليوم…
هذه المذكرات تقاطعت مع الشهادة التي قدمها الضابط مصطفى كمال اثناء محاكمات زعماء حزب الاتحاد والترقي بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، حيث قال:” لقد ارتكب مواطنونا جرائم لايصدقها عقل ولجؤوا الى كل اشكال الاستبداد التي لايمكن تصورها ونظموا أعمال النفي والمجازر وأحرقوا أطفالا رضعا وهم أحياء بعد ان صبوا عليهم النفط واغتصبوا النساء والفتيات امام ذويهم المقيدي الارجل والايدي…
واستطردت: “ليلة 24 نيسان من عام 1915 كانت بداية قدر مأساوي للشعب الارمني. ففي تلك الليلة ، اعتقل المئات من القادة السياسيين والمفكرين ورجال الدين الارمن في اسطنبول وتم اغتيالهم كمرحلة اولية لاول ابادة في القرن العشرين. تبعها عمليات نفي وتهجير مئات الالاف من الارمن بشكل منتظم بذريعة اعادة اسكانهم في مناطق آمنة بسبب الاعمال الحربية. فبين عامي 1915و1923 تم قتل مليون ونصف ارمني وتهجير الباقي فمات معظم الناجين من الجوع او الانهاك خلال عمليات الترحيل القسرية نحو الصحراء السورية في دير الزور، كما محيت القرى والمناطق الارمنية من الجغرافيا العثمانية، واستهدف كل ما يرمز للثقافة الارمنية من اجل تدميره
فحسب احصائيات بطريركية الارمن في اسطنبول، انه من اصل 2100000 ارمني في السلطنة العثمانية عام 1915 كانوا يشكلون الاغلبية الساحقة للشعب الارمني، بقي فقط 77,435 عام 1927. فالابادة التي تمت عام 1915 شكلت جزءا من سياسة الدولة التركية على مدى بعيد، سبقتها مجازر مخططة مركزيا حصدت اكثر من 300,000 ارمني بين عامي 1894-1896 على يد السلطان عبد الحميد الثاني
وعندما اتت حكومة الاتحاد والترقي الى سدة الحكم عام 1908 قامت بتطبيق سياسة ابادة رسمية باسم القومية التركية. فبعد سنة على توليهم السلطة حصدت مجازر اضنا ومناطق اخرى من كيليكيا حياة اكثر من 30 الف ارمني خلال بضعة ايام. لقد تمت ابادة الارمن على امتداد المناطق التركية باستغلال فوضى الحرب العالمية الاولى وانهماك الحلفاء بالحرب. وقد صرح الدكتور ناظم، احد الايديولوجيين في جمعية الاتحاد والترقي آنذاك، في جلسة مغلقة للجنة المركزية في شباط عام 1915 مايلي: ” من الضروري جدا التخلص من الشعب الارمني بأكمله حتى لايبقى أرمني واحد على وجه البسيطة ويقضى على ارمينيا
واشارت يعقوبيان الى “ان الاعمال الاجرامية التي اقترفت بحق الشعب الارمني كانت وبوضوح تعتبر جرائم في القانون الدولي. كانت تلك الخلاصة التي توصلت اليها كل من فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا في البيان المشترك في 24 ايار عام 1915، حيث اكدوا جميعا ان مجازر الارمن في السلطنة العثمانية كانت ” جرائم ضد الانسانية والحضارة ويجدر على كافة اعضاء الحكومة التركية تحمل المسؤولية اضافة الى الذين اقترفوا تلك المجازر فعليا
وعلاوة على ذلك اكدت معاهدة سيفر الموقعة عام 1920 بين الحلفاء وتركيا بدولة ارمينيا وبالطبيعة الاجرامية للمجازر حسب القانون الدولي. واجبرت هذه المعاهدة الحكومة التركية لتسليم الحلفاء هؤلاء القادة المسؤولين عن تلك الجرائم لكي يحاكموا امام المحكمة القضائية. ولكن تركيا التي وقعت هذه المعاهدة لم تلتزم تنفيذها . وتخلت معاهدة لوزان الموقعة في عام 1923 عن طلب الحلفاء لمحاكمة ومعاقبة الاتراك العثمانييين لارتكابهم جريمة ابادة بحق الارمن وعن الالتزام بمنح التعويض للناجين من الابادة وكذلك عن اعتراف سيفر بدولة ارمينيا الحرة التي اعلنت استقلالها في ايار 1918
وبهذا خسر الارمن ارمينيا الغربية لتركيا وارمينيا الشرقية للاتحاد السوفياتي لاحقاً. لكن عمليات القتل بحق الارمن وان توقفت عند ابواب العام 1923، الا ان الاستمرار في تدمير ممتلكاتهم وتدمير ذاكرتهم التاريخية لم يتوقف. وكانت هذه الاعمال تتعمد تأمين السعي الى الابادة بتدمير الذاكرة، الدليل التاريخي على وجود الارمن في آسيا الصغرى فترة عشرين قرنا. فقد تم حرق كنائسهم واديرتهم عن عمد وتم تدميرها بالمتفجرات. وبالمجمل تم تدمير 1036 كنيسة وديرا. كذلك تم اسقاط اسم “ارمينيا” من الخرائط الرسمية وتغيير اسماء القرى والبلدات الارمنية الواقعة في اسيا الصغرى التي استمرت حتى الخمسينيات. وكل هذا كان يتعارض مع المادتين 38 و 44 من اتفاقية لوزان عام 1923 التي كانت تنوي حماية حقوق الاقليات بما فيها الحقوق الثقافية للاقلية الارمنية في تركيا
وقالت: “ان تركيا تحاول اليوم انكار الحقيقة التاريخية للابادة بشتى الوسائل المتاحة اليها ، ولم يتمكن اي مؤرخ يعمل في الارشيفات التركية تقديم صورة متماسكة عن ترحيل الارمن واعادة اسكانهم في اي منطقة من الدولة العثمانية على اساس التقارير العثمانية. ان العثمانيين لم يحتفظوا بتقارير مفصلة عن ترحيل الارمن وعن اعادة اسكانهم، وهذه الوثائق غير موجودة في الارشيفات العثمانية. وكيف يحتفظ المجرم بالاداة التي تدينه؟ لكن الوثيقة الاهم، هي مذكرات طلعت باشا، وزير الداخلية العثماني في عام 1915، والعقل المدبر والمنفذ للابادة الارمنية ، قد تم اكتشافها في العام 2008. يضم الكتاب في صفحاته السبع والسبعين قسما اساسيا عن ترحيل الارمن خلال 1915-1917. والكتاب ومحتواه لم يكشفعنهما قط عندما كان طلعت باشا على قيد الحياة
واحتفظت ارملته عقب اغتياله في 1921 على يد احد الشبان الارمن بالكتاب ، واعطته لمؤرخ تركي في 1982، الذي قام بنشر اجزاء منه في صحيفة تركية عام 2005، اما الكتاب الكامل فقد نشر عام 2008. وتؤكد ارقام طلعت باشا ان معظم الارمن العثمانيين المقيمين خارج اسطنبول قد هجروا بالطبع من ديارهم، وان اغلب هؤلاء المهجرين اختفوا من الوجود حتى عام 1917، وان 90% من الارمن القاطنين في الولايات هجروا، وان 90% من هؤلاء المهجرين قتلوا. تبين الارقام الواردة في الكتاب بوضوح ان عمليات الترحيل كانت بمنزلة حكم بالاعدام. ان العداء التركي للارمن لم ينته عند حدود العام 1915، بل انه لايزال مستمرا حتى اليوم. فتركيا تحاصر ارمينيا اقتصاديا باغلاق حدودها من جهة واحدة منذ عشرين عاما، وذلك لتضييق الخناق عليها، والحصول على تنازلات تتعلق بموضوع الابادة الجماعية وبمسألة النزاع بين ارمينيا واذربيجان حول اقليم كاراباخ الارمني
وختمت يعقوبيان:”ان العدالة تحتم علينا جميعا النضال من اجل الحقيقة التاريخية. فالانقسام الحاصل اليوم ليس بين الارمن والاتراك، بل هو انقسام بين الذين يعترفون بحقيقة الابادة وبين الذين ينكرونها بغض النظر عن انتماءهم وهويتهم ومذهبهم وعرقهم. انها ليست مسألة دم بل هي مسألة عقيدة، هي ليست مسألة عرق او دين بل هدف مشترك، يجب ان نسعى اليه جميعا حتى نمنع تكرار مثل هذه المآسي بحق الانسانية جمعاء