في مئوية كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، نظمت جامعة البلمند ورعت معرضا لابرز لوحاته ومخطوطاته، ومنها لوحات كتاب النبي، في مبنى الامم المتحدة في نيويورك مع لجنة متحف جبران الوطنية والجامعة الثقافية اللبنانية في العالم.
وحضر مدير المغتربين في وزارة الخارجية السفير هادي هاشم ممثلا وزير الخارجية والمغتربين ومطران اميركا للروم الاورثوذكس المتروبوليت سابا اسبر وعدد من المغتربين والمهتمين والبعثات الديبلوماسية.
قدم الاحتفال الدكتور هنري حبيب
وترحيب من رئيسة البعثة اللبنانية في نيويورك وتحدث مدير متحف جبران السيد جوزف جعجع عن المتحف واهمية اللقاء
الى تعريف عن اعمال جبران من منسقة الاحتفال الزميلة سمر نادر، ونائبة سفير جامعة الدول العربية الوزيرة السابقة الدكتورة نصرية فليتي.
الورّاق
وختاما كلمة رئيس جامعة البلمند البروفسور الياس الورّاق وقال فيها:
“يُسعدني ويُشرِّفني اليوم، كرئيسٍ لجامعة البلمند في لبنان، أن أكونَ في حضرةِ حشدٍ من المميزينَ ومن على أكثرِ المنابر تميّزاً في العالم.
حشدٌ ممَّن يُثَّمنونَ العلمَ والعلماء، والثقافةَ والمثقفين، والفلسفةَ وروّادِها، في زمنٍ باتَ الجهلُ يطغى على المعرفةِ، وأهلُ العلمِ والعقلاء منبوذون في الأرض، وحيثُ يتحكَّمُ بمصائِرنِا طغاةٌ متآمرون على مصير الإنسان والإنسانية.
ويكفيني فخراً أن أكونَ من يُذَكِّرَ اليوم بمن طَبعَ فكرَهُ وفلسفتَهُ في ذاكرة التاريخ.
ويكفيني فخراً أن أتكلَّمَ اليوم عن أديبِ الأدباء، وشاعرِ الشعراء، وكبيرِ الفلاسفة،
عن علّامةٍ من أبناءِ وطني، وطني لبنان، وطن مخايل نعيمة وايليا ابو ماضي، غسان تويني وشارل مالك، فيروز والرحابنة.
إنّهُ جبران خليل جبران، إبن جبل الأرز، أرز الرب.
إنّهُ جبران خليل جبران، إبن بشرّي، تلك البلدة المطّلة على وادي القديسين والقداسة، وادي قاديشا، هذا الوادي الذي أنارَ العالمَ بنورِ الإيمان، وأهدى الناسَ إلى طريقِ الحقِّ والحقيقة.
إنّهُ جبران خليل جبران الذي ولِدَ في يوم ولادة السّيد المسيح في 6 كانون الثاني، ولكن بعد 1883 سنة”.
وقدم نبذة عن حياة جبران وتابع قائلا:
“إنَّهُ جبران الذي نستذكرُهُ اليوم في مئويته. وكم نحنُ بحاجةٍ لفلسفتِهِ وعلمِهِ وتعاليمِهِ.
في زمنٍ تطغى عليه مآسي الحروب، ويحكمُهُ الظلمُ ويتحكَّمُ به أشرارُ العالم،
كم نحنُ بحاجةٍ إلى رأفةِ جبران ومحبتِه للإنسان ونظرتِه للإنسانية، التي كانت جليةً في أمنيته حين قال “لو كنتُ سنبلةً من القمحِ نابتة في ترابِ بلادي لكان الطفل الجائع يلتقطني ويزيل بحياتي يد الموت عن نفسه”.
كم نحنُ بحاجةٍ في زمن النفاقِ والمنافقين أن نكونَ كما قالَ جبران “ليتني طفلاً لا يكبرُ أبداً، فلا أنافق ولا أراهن ولا أكره أحداً”.
كم نحنُ بحاجةٍ في زمنٍ تطغى عليهِ
حروبُ التدمير والقتل،
حروبُ التشريد والإبادة،
حروب الإقتصاد والمال التي تُجوِّعُ الناس وتميتُهُم، وكلّها حروب عبثية تنتهي كما قالَ جبران “حيث يتصافحُ القادة، وتبقى تلك الأم تنتظرُ ولدها الشهيد”.
أما في فسادِ الأمم والأوطان، حيث يحكُم الجهلُ وتُقمَع حريةُ الفكر والمفكّرين، فكم ينطبق قول نبّي جبران: “ويلٌ لأمّةٍ سائسها ثعلب، وفيلسوفها مشعوذٌ، وفنّها فنّ الترقيع والتقليد”.
أما في زمنِ البحثِ عن السعادة، حيث ينحرفُ الإنسانُ في معظمِ الأحيان عن الطريقِ المستقيم، جاهداً كي يجدَ سعادتَهُ. فكم من الناس يرتكبونَ المظالمَ، ويعيشونَ الخطيئةَ بحثاً عن سعادةٍ زائفة.
أما سعادة جبران فتختصر بأن “تمتلكَ روحاً تهديكَ الفرح”.
أما ونحن اليوم نعاني من غيابِ الحق، وطمسِ الحقيقة، وخاصةً في وطنِ جبران الأم، في وطني الذي يعاني من ظُلمِ حكامِه، وانعدامِ العدالةِ فيه.
نستذكرُ قولَ جبران: “الحقُّ يُعرَفُ في كل حال ولا يُنطَق به إلا في بعض الأحوال”.
هذا الوطن الذي أحبَّهُ جبران. هو الوطنُ الذي قد تغادرُهُ أقدامَنا ولكن قلوبنا تظلُّ فيه. هذا الوطن الذي يتحسّر على فراقِه لهُ قائلاً: “لو كنتُ جائعاً بين أهلي الجائعين ومضطهداً بين قومي المضطهدين، لكانت الأيام أخف وطأةً على صدري، والليالي أقل سواداً أمام عيني”.
هذا الوطن الذي وصَفَ قادتَه في أجنحتِهِ المتكسّرة بقوله: “دينكم رياء ودنياكم ادعاء وآخرتكم هباء، فلماذا تحيون والموت راحة الأشقياء”.
نعم هذا هو جبران بنهجِهِ العابر للطوائف. فكم نحنُ بحاجةٍ في زمن التطرّف الديني الأعمى إلى من يحملُ شعاراً ما قاله جبران: “أنا مسيحي ولي فخرٌ بذلك، ولكنني أهوى النبي العربي، وأكبّر اسمه، وأحبّ مجدَ الإسلام، وأخشى زواله”.
بعدَ مئةِ عامٍ، بأيِّ حالٍ عدتَ يا جبران.
في حالٍ نشهدُ فيها طبولُ الحربِ تدقُّ مضاجعَ الناسِ، وتُدمِّرَ بيوتهم وآمالهم.
في حالٍ تتعاظمُ فيها أمراض البشرية، فبعضُها يأتي من تمادي الإنسان في إجرامه بإنهاكِ الطبيعةِ ومواردِها،
وبعضها يأتي من فبركةِ علماء تنصلوا من الأخلاق في علمهم، فابتدعوا أمراضاً تُهلِكُ ولاتُهلَك.
بعدَ مئة عامٍ، بأيّ حالٍ عدتَ يا جبران.
عُدتَ إلى زمنٍ أصبحَ الخلق الحسن فيه من الماضي، وكرامات الناس تُشتَرى وتُباع، والعدل كما عهدته “يبكي الجنّ لو سمعوا به ويستضحك الأموات لو نظروا”.
فبعدَ مئةِ عامٍ، تعودُ إلى زمنٍ أكثرَ بؤساً، وأضعفَ إيماناً، وأشرسَ ظلماً، وأقلَّ عدالةً.
فكم نحنُ بحاجةٍ إلى حِكَمِكَ، وأقوالِكَ، وتعاليمِكَ.
وكم نحنُ بحاجةٍ إلى نبيِّكَ لننهضَ بأجنحتِنا المتكسّرة فنكون أرواحاً متمرّدةً تُصارعُ العواصفَ بدمعةٍ وابتسامةٍ، فتُعِيدُ إيماننا بآلهةِ الأرض عَلَّنا نصلُ إلى شاطئ الأمان، برملهِ الدافئ وزَبَدهِ النقي.
أهلاً بكَ يا جبران بعدَ مئةِ عام، في بيت العدلِ، وبزمنِ اللاعدالة.
أهلاً بكَ في عالمٍ نأسفُ أن يكونَ أكثَرَ بؤساً وأقلَّ رحمةً،
فهنيئاً لكَ أينما كنتَ،
فأينما أنتَ لا شكّ أنّ عدلَ السماءِ أرحمَ، وسعادةَ الروحِ أنقى، ومبادئ الوجودِ أنبل.
شكراً لحضورِكُم.
شكراً لكلِّ من ساهمَ في إنجاحِ هذا الحفل.
شكراً لهذا المنبر الكريم، منبرُ الأمم المتحدة. وعسى أن تبقى هذه المؤسسة صلةَ وصلٍ ووسيلةَ سلامٍ بين جميع الأمم”.
وتخلل الاحتفال قراءات من جبران خليل جبران باللغة الصينية والروسية والفرنسية والاسبانية والهندية والانكليزية الى لوحة راقصة تقديم فادي خوري وايليسا طورو فرانكي، وغناء مع ناجي وكريم يوسف وعزف على العود من موريس شديد، وعرض فني من الممثلة سارة بيطار، قبل توجه الحضور لافتتاح المعرض الفني.