للمرة الأولى منذ 60 يومًا، اتخذت الثورة الشعبية التي اندلعت في 17 تشرين الاول الماضي، طابعا عنفيا، مشاغبا. هذا المنحى الفوضوي لم تختره لنفسها، بل أُلبست رداءه “عنوة”، وبالقوة. فجأة، وبعد اسابيع من التظاهر السلمي والحضاري الذي لم تعكّره الا اعتداءات وغارات نفذتها أحزاب السلطة ضد الثوار، في خيمهم ومراكز تجمّعهم، انطلقت مواجهات بين الثوار والقوى الامنية والعسكرية التي استخدمت ضدّهم القوة المفرطة
القصة بدأت عصر السبت، حين استُفز مناصرو الثنائي الشيعي من تحرّك طالب بفتح الطرق المؤدية الى مجلس النواب امام الشعب اللبناني، قبل ان ينهال ملثمون مجهولون معلومون، أتوا من خلف القوى الامنية، على المتظاهرين في ساحة النجمة بالضرب والعصي، فجر الاحد، لتفريقهم، وتباشر الاجهزة بعدها استهدافهم بالقنابل المسيلة، لفض اعتصامهم
اما الأحد، فتجمّع الثوار مجددا في محيط المجلس. هذه المرة، لم يكتفِ “الحزبيون” الذين يتربصون بهم، باعلان الاستنفار في الخندق الغميق، بل اندسّ “مُفتنون” في قلب صفوف المتظاهرين في ساحة النجمة، وراحوا يرشقون القوى الامنية بالحجارة والمفرقعات لافتعال اشكال معها. فهكذا كان، وتحوّلت المنطقة خلال دقائق قليلة، ساحة حرب حقيقية. اللافت للانتباه، ان هؤلاء الشبان لم يأتوا فقط من الخندق الغميق، بما يمثّله “سياسيا” ومذهبيا”، بل تبين ان أعدادا كبيرة منهم تدفقت الى وسط العاصمة من الشمال، من طرابلس والمنية والضنية، رافعة شعارات “استفزازية” طائفية، وهدفُهم واضح “خلق فتنة مذهبية”. وقد تأكّد ذلك، عندما توجّهوا الى “الخندق”، ليواجِهوا بأنفسهم، أنصارَ حزب الله وحركة أمل المتجمّعين هناك، هاتفين “الله أكبر” في وجه اولئك الذين كانوا يرددون “شيعة.. شيعة”، في وقت لم يتردد بعضهم في الدفاع عن الرئيس سعد الحريري، علما ان الثوار يشملونه في شعار “كلّن يعني كلّن”.مشهد الكر والفر والدخان والنار والدمار والضباب الذي ارتسم في قلب العاصمة امس، تراه مصادر سياسية مراقبة “مطلوبا” ومُعدّا له جيدا، من قِبل اهل السلطة وبعض أجهزتها والاستخباراتية. فالمُراد على ما يبدو، اختراق جبهة الثوّار بمندسّين من جهة، وصبّ الزيت على نار الفتنة المذهبية السنية – الشيعية، تحديدا، من جهة ثانية، علّ هذه الاجواء “المخيفة” ترهب الناس وتُحبط الانتفاضة
لماذا؟ المتضررون من الثورة كثر، تجيب المصادر. فهي حشرت الطبقة السياسية كلّها ووضعتها في خانة الاتهام حتى اشعار آخر، وهي رفضت رغم عامل الوقت ورغم مكابرة السلطة، اي تسوية او تنازل في مطالبها، وأوّلها: تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين من رأسها الى القاعدة. وعليه، يبدو ان إسكات الثوار وقمع الانتفاضة باتا ضروريين لأهل الحكم، ليفرضوا خياراتهم السياسية عموما والحكومية خصوصا. وبعد إرجاء موعد الاستشارات للمرة الثانية اليوم، الى الخميس هذه المرة، في قرار من غير المستبعد ان يكون غرضه انضاج تسوية سياسية جديدة بين المتباعدين وأبرزهم “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، تسمح للرئيس سعد الحريري بالعودة الى السراي بغالبية اصوات “مريحة”.. تعتبر المصادر ان “خنق” الثورة بسلاح الترهيب والتخويف، ومنعها من التحرّك حتى في “الساحات”، يبدو حاجة لإمرار التسوية المنتظرة، بأقلّ الاعتراضات شعبيا، خاصة اذا كانت لن تتلاقى وما ينادي به الشارع
غير ان الرهان على “تراجع الثوار” ليس في مكانه، وقد دلت تطورات الاسابيع الماضية انهم ليسوا من الصنف الذي يخاف وينكفئ. فحذار خطوات ناقصة سياسيا، لأنها ستحيي روح الانتفاضة وتعيدها الى ايامها الاولى روحا وأسلوبا! تختم المصادر
المصدر: وكالة الأنباء المركزية