لا يقتصر شعار “كلن يعني كلن” الذي اطلقه ثوار لبنان منذ بدء الثورة في 17 تشرين الاول على الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بكل انواع الفساد ومشتقاته التي نهبت الدولة وماليتها العامة وأمعنت في المغالاة في صفقاتها غير المشروعة، من رأس الهرم حتى اسفله، وكل على طريقته وبأساليبه الملتوية، بين من ارتكب ومن غطّى الارتكابات ومن تغاضى عنها ومن سهّل تمريرها ومن صمت عنها، فالجريمة واحدة ولئن تفاوتت نسبة الجرم
من يجول في ساحات الثورة من طرابلس الى كفررمان ومن بعلبك –الهرمل الى رياض الصلح وساحة الشهداء، ويستمع الى الثوار لا سيما في حلقاتهم الحوارية، يدرك في العمق معنى هذا الشعار، ويتيقن ان الوجع الذي يجمعهم ويوحد هدفهم أبعد من شخص او زعيم، وكثر من بينهم كانوا حتى الامس القريب تحت عباءة هذا المسؤول او ذاك القائد الحزبي، وقرروا الخروج منها والانتماء الى الوطن لا غير ولسان حالهم “حلو عنا كلكن يعني كلكن”.
الشعار كما يقول هؤلاء عابر للحدود، وهو يرسم الحدود لكل من يحاول الدخول على خط ثورة الشعب اللبناني النظيفة من موبوءات الاستغلال والتوظيف التي لطالما شكلت وقودا للفاسدين والمستغلين لاشعال نار الفتنة بين اللبنانيين وحقن غرائزهم تارة بالطائفية العمياء وطورا بالولاءات للخارج. ويؤكدون ان كل من يسعى لذلك سيصطدم بجدار الممانعة الذي رفعه الثوار الحقيقيون الرافضون محاولات حرف ثورتهم عن هدفها، كما في الداخل كذلك في الخارج. فالتدخلات من اي جهة اتت تشكل تعديا على ثورتهم ويضعونها في المكيال نفسه من واشنطن الى موسكو ومن طهران الى باريس.
يوم قال جيفري فيلتمان، السفير الاميركي السابق في لبنان، كلمته في شأن الثورة انتفض هؤلاء بكل شرائحهم وقالوا “ما خصك” “اهتم بشؤون بلدك وابتعد عنا” وتظاهر بعضهم امام السفارة الاميركية في عوكر. ويوم اعلن علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ايران ان تظاهرات لبنان والعراق هي مؤامرة اميركية قالوا له ايضا “اصمت”. ويوم حاولت فرنسا الدخول على خط الازمة، بعيدا من هدفها القاضي بالمساعدة، تظاهر الثوار رفضا امام السفارة الفرنسية في بيروت.
الثورة كما يؤكد هؤلاء، لبنانية صافية رغما عن كل محاولات صبغها حينا بالعمالة لاسرائيل واحيانا بالمؤامرة الاميركية، فمن اعتاد التآمر والعمالة والولاء للخارج لا يمكن ان يفهم الوطنية وتغليب مفهومها على الطائفية والمناطقية والمصلحية للخارج.
في هذا المجال، تشير مصادر سيادية لـ”المركزية” الى ان التعبير عن رفض التدخل الخارجي على احقيته، انما يعكس طبيعة المتدخلين بشؤون لبنان، فالثوار الذين تظاهروا بحرية تامة امام السفارتين الاميركية والفرنسية لا يتظاهرون امام سفارتي روسيا وايران المنحازة مواقفهما ضد الثورة، لماذا؟ لان كلفة التظاهر هناك غالية جدا وقد تكون ارواحا، تجيب المصادر، ذلك ان فئة اللبنانيين “المستزلمين” غير المدركين معنى الدولة القوية التي تؤمن لهم حياة لائقة، والاكيد انها اكثر لياقة مما يؤمنه لهم زعماء يوظفون فقرهم وعوزهم لاستخدامهم في مآربهم، سيكونون في المرصاد، لتفجير “همجيتهم” في وجه الثوار، وواقعة هاشم السلمان الذي كان يتظاهر امام السفارة الايرانية احتجاجا على مشاركة الحزب في الحروب الاقليمية ماثلة امامهم، حيث أردته رصاصة من حراس السفارة من “القمصان السود”، ولم يتم توقيف القاتل بعد 6 سنوات على الحادثة.
ان معادلة “فائض القوة” المستخدمة في السياسة بعدما استخدمت في الشارع في 7 ايار ومحطات اخرى كثيرة ليس آخرها عراضات جسر الرينغ الاحد وغزوات صور والكولا ومناطق اخرى امس، ستبقى مظللة المشهد اللبناني، تختم المصادر الى ان تولد الدولة الثالثة التي يطمح اليها ثوار تشرين والتي تحاربها السلطة حتى الرمق الاخير، وفق المعطيات السياسية والميدانية.