من الجميل ان نجد اعلاميين مثقفين بعيدين عن موجة الصحافة الرائجة في ايامنا هذه حيث لا وقت للقراءة والمطالعة والتثقف ويكتفي “الصحافي لي على مودا” بأن يحشو دماغه بمعلومات من صالحة وطالحة هذا ان لم يكن قليل الهمة وكثير الاصغاء لما يقال من حوله فيعتبره مصدر موثوق به

في هذا الزمن حيث نخاف على مهنتنا هذه، استمتع حين اشاهد برنامج “الاول” فكرة اعداد وتقديم الاعلامي جورج معلولي الذي ورغم خبرته في الصحافة وذلك على مدار ٣٠ عاما واكثر بين برامج اجتماعية، فنية، منوعة، لا يزال يعتبر نفسه صحافي متخصص بالاخبار الاجتماعية كما قال في احدى حلقات برنامجه خلال الشهر الفضيل حين حل الملحن سمير صفير ضيفه، ومع ذلك فهو سرق انتباهي بطريقة محاورته لضيوفه “ارباب الفن” ، ذاك الاسلوب البسيط اللطيف الذي وبسحر ساحر ومع ابتسامته المعهودة يسرق منهم تصاريح دقيقة خطيرة حيناً وصادمة احياناً …هذا الاعلامي القدير الذي يعتبر نفسه غير مؤهل من حيث الثقافة الموسيقية قدم ما عجز عنه هؤلاء الدخلاء اساساً على مجال الصحافة مدعين انهم اسياد الشق الفني فنرى اقلامهم وبرامجهم تصطاد القشور والفضائح والهراء المنشور اين مكان

جورج معلولي، دخل بسلاسة الى زواريب وخفايا حياة الممثل ومقدم البرامج وسام حنا فعلمنا ان ابن جزين عاش حياته متعمقاً بالدين، ينتمي الى جمعيات تسعى لتقديم الاعمال الانسانية وتحتضن المسنين واليتامى، صرح في برنامج “الاول” انه يعيش حياتين الاولى وسط الاضواء حيث يسعى ليكبر “ال انا ” في داخله و في مهنته و في عيون الناس و حياة اخرى وسط العطاء اللامتناهي مع الجمعيات بنشاط دائم حيث ينسى كلياً “ال انا” . وسام حنا كبر و ترعرع وسط عائلة مؤمنة فنية متماسكة. افصح انه كان قد وجد في فترة المراهقة في عمر ال ١٥ ان رسالته في الحياة هي خدمة الرب فدخل الدير بهدف ان يصبح راهب الا انه واجه رفضاً من العائلة ثم اكتشف انه قادر على مساعدة الاخرين دون ان يرتدي ثوب الكهنوت . وسام حنا حائز على اجازة في الحقوق لم يهمل هواية الرسم او عرض الازياء او التمثيل والتقديم فغلبت الهواية على الشهادة وأصبحت “الاكثر احترافاً” . زوايا جميلة تعرفنا عليها في عيون وسام حنا في حلقة راقية بعيدة عن هالة النجومية

كذلك الامر في حلقة الملحن سمير صفير الذي تحدث بصراحة عن مراهقته حيث انتمى لحزب الكتائب وحارب ثم تغيرت نظرته الساسية وادرك ان الوطن يبنى مع جيشه فقط . كشف سمير صفير انه عاش في شبابه حياة “بالطول وبالعرض” من نساء ومخدرات و سهر وخطايا كثيرة الى ان تعرف على زوجته فمعها اصبح له نظرة مختلفة للحياة وتخلى تدريجياً وعن قناعة تامة عن طريق الظلمة . كما و بكل وعي وعمق في التفكير والاهم بكل حب لزوجته تطرق الى موضوع عدم قدرتهما على الانجاب وتقبلهما لارادة الله قائلاً: ” احب زوجتي اكثر من امكانية ان احب اولادي وتحبني اكثر من امكانية ان تحب اولادها . اخترنا بعضنا عن قناعة.” وبدا مرتاحاً مع نفسه ومع شريكة حياته كما اظهر في كل كلماته مدى احترامه للمرأة بشكل عام ولزوجته بشكل خاص فيما كان جورج معلولي مصغياً يطرح اسئلته بحذر واحترام بغية عدم التجريح فصنع من كلماته جسر عبور بين ضيف وآخر حصد تلك المادة الدسمة محافظاً على احتراف يليق ان نتمثل به

اذكر سريعاً حلقة برنامج “الاول” حين حلت “الليدي مادونا” ضيفته تكلم عن زواجها وانفصالها عن زوجها بعد زواج لم يدم اكثر من عامين مروراً ب ١٥ سنة عاشتها مادونا مغرمة برجل ثم بفراغ عاطفي حتى تجرأ على رفع اصابع التلميح حول قصة حب تعيشها مادونا مع الشاب الفنان بشير ودائماً في اطار لا يخلو من التهذيب والهدوء في ايقاع راقٍ لم يزعج “الليدي” بتاتاً الا ان مادونا اوضحت للرأي العام ان لا علاقة غرامية تجمعها ببشير بل صداقة وفن واحترام وهي لا تدرك شيئاً عن حياته العاطفية قد يمضي شهر دون ان يلتقيان الا انها لو احتاجت مساعدة صديق فبشير يحضر فوراً . وهي سعيدة بفكرة ان يرافقها في المناسبات الفنية لانها كإمراة لا تشعر بالراحة لو حضرت وحدها
كما عادت بذاكرتها الى اجواء بيت اهلها الدافئ والفني حيث كبرت وكبر معها عشقها للفن والحياة

برنامج “الاول” الذي يعرض مساء كل احد على شاشة مريم فكرة اعداد وتقديم جورج معلولي، يدخل كل بيت فني عريق ليخرج منه اسرار واخبار وذكريات فيدرك المشاهد ان خلف وجه النجم الذي يحبه وجه اخر يجعل منه انسان حقيقي بأخطائه بإنتصاراته وبنجاحاته . وقوة جورج معلولي انه يكشف الكثير بوجه هادئ مبتسم