لم تكد وزيرة الداخلية ريا الحسن تتلفّظ بالزواج المدني الإختياري حتى بدأت التعليقات والتحليلات من كل حدب وصوب واصطفّ اللبنانيون بين موال ومعارض باستثناء المرجعيات الدينية التي كانت حتما معارضة للطرح في حين رحّب جزء من المجتمع المدني به فيما اشار الوزير السابق خليل الهراوي الى انه تمّت الموافقة على الزواج المدني في مجلس الوزراء العام 1998 وما على الحكومة الا احالته الى مجلس النواب

الكنيسة لا تدعم الزواج المدني بالمطلق

موقف الكنيسة عبّر عنه  مدير ​المركز الكاثوليكي للإعلام الأب ​عبدو أبو كسم​ الذي اشار الى أنه “يبدو أنه كلّما تمّ تشكيل ​حكومة​ جديدة، وتمّ تسليم وزير جديد للداخلية مهامه، يُطرَح ملف ​الزواج المدني​ على طاولة البحث من جديد، فهذا ما نلاحظه، رغم أن موقف اللّبنانيين بات معروفاً بين من هو مع ومن هو ضدّ، ورغم أن موقف الديانتَيْن ​المسيحية​ والإسلامية هو أكثر من واضح من هذا الموضوع وثابتة أيضاً

وشدّد في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” على أن “الكنيسة لا تدعم الزواج المدني بالمطلق، لِكَوْنه يناقض مفهوم “سرّ الزواج” كنسياً ولاهوتياً، الذي هو سرّ اتّحاد في ما بين زوجَيْن وعهد يبقى بينهما الى أن يفرّقهما الموت وهذا هو السبب الذي يمنع التقاء الكنيسة بالزواج المدني

وشرح أبو كسم :”أما في ما يتعلّق بالزواج المدني الإختياري، فجوهر الموضوع في هذا الإطار هو أنه لا يُمكن إقرار قانون ذات طابع إختياري، بل إن القانون يجب أن يكون عاماً ومُلزِماً للجميع، فالإشارة الحمراء مثلاً لا يُمكنها أن تعني ممنوع المرور لشريحة من الناس، فيما تسمح بذلك لشريحة أخرى

وأضاف:”مبدأ القانون الإختياري هو خاطىء. فكنسياً، نحن لا يُمكننا أن نحيّر الناس، وأي تخيير في مسألة الزواج المدني تعني حتماً تحييرهم وإثارة البلبلة بين العيش ضمن المفهوم الأسراري للكنيسة، أو العيش خارجه. أما إذا قامت الدولة اللبنانيّة بإقرار الزواج المدني كقانون إلزامي، عندها تحثّ الكنيسة على الزواج الكنسي، ويطبّقون القانون المدني من جهة أخرى ولكن ذلك يحتاج الى إقرار قانون إلزامي لكلّ اللبنانيين، وليس اختيارياً وهذا الموقف تبقى الكنيسة ثابتة في شأنه

ورأى أبو كسم أنه “لا يُمكن “إقرار قوانين تشرّع ​الإجهاض​ أو “الموت الرحيم” أو “​المثلية الجنسية​ ” في لبنان، لأنه لا يُمكن لأحد أن يشرّع الموت والقتل وتوجد حرية لدى الجميع في طرح كل المواضيع، ولكن مواقف الكنيسة منها ثابتة وواضحة في رفض كل ما يتعارض مع الكتاب المقدّس”، مشدداً على أن “مجتمعنا اللبناني ليس ملحداً أو لا دينياً، بل هو مجتمع متديّن من الناحيّتَيْن المسيحية والإسلامية، وهذا ما نعوّل عليه في رفض كل تلك العناوين والطروحات. وإيمان الناس هو ضمانتنا في هذا الإطار

دار الفتوى: الزواج المدني يخالف أحكام الشريعة الإسلامية

على الخط الاسلامي، أعلن المكتب الإعلامي في دار الفتوى موقف مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من موضوع الزواج المدني في لبنان، الذي أعيد طرحه وتداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام وليس في المجلس النيابي

وأكد المكتب الإعلامي ان موقف المفتي دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي ومجلس المفتين هو معروف منذ سنوات، في الرفض المطلق لمشروع الزواج المدني في لبنان ومعارضته، “لأنه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية جملةً وتفصيلاً، ويخالف أيضا أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه، وبالتالي لا يمكن إقراره في المجلس النيابي من دون اخذ رأي وموقف دار الفتوى، وسائر المرجعيات الدينية في لبنان

ودعا المكتب الإعلامي، الى عدم الخوض والقيل والقال في موضوع الزواج المدني الذي هو من اختصاص دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية

الحزب الاشتراكي: لتشريع قانون موّحد للزواج المدني

على الخط الدرزي، صدر عن مفوضية العدل والتشريع في الحزب التقدمي الإشتراكي البيان التالي

“لقد كان الحزب التقدمي الاشتراكي سبّاقاً في السعي لجعل لبنان دولة علمانية مدينة يفصل فيها موضوع الدّين عن الدولة، وقد قاد هذا الطرح المعلّم الشهيد كمال جنبلاط وناضل الحزب لأجله سنوات طويلة، وكان أحد أبرز عناوينه الإصلاحية منذ ما قبل العام 1975

وإنطلاقا من هذه المبادئ تثمّن مفوضية العدل والتشريع في الحزب التقدمي الاشتراكي مبادرة وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن فيما يتعلّق بموضوع الزواج المدني، وتؤكد ضرورة العمل على نظام مدني موحّد للأحوال الشخصية يطبّق على جميع المواطنين بما يضمن المساواة في ما بينهم

وفي هذا الإطار نرى ان أولى الخطوات يجب ان تكون في تشريع قانون موّحد للزواج المدني، مع ترك حرية الإختيار في ما يتعلّق بالزواج الدّيني عملاً بالمادة 9 من الدستور اللبناني توصلاً فيما بعد الى تطبيق مدنيّة الدولة التي تضمن استقلالية القضاء وتطوير المؤسسات المدنية والغاء الطائفية السياسية وما يتبع النظام الطائفي من تفرقة مقيتة بين فئات الشعب اللبناني

كفى: الدستور لا يجيز استئثار الطوائف بنطاق الأحوال الشخصية

اما موقف المجتمع المدني فعبّرت عن جزء منه جمعية “كفى”. بعنوان “حرروا التشريع من وصاية الطوائف”، أوضحت جمعية “كفى” موقفها من الجدل حول الزواج المدني، فقالت: “ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نسمع فيها لغة الطوائف المهددة والمكفرة كلما طرح موضوع الأحوال الشخصية في لبنان. ففي كل مرة يتم استخدام شماعة الحفاظ على الدين والتمسك بالمادة التاسعة من الدستور لرفض الإعتراف بالحقوق الفردية للمواطنين والمواطنات لا سيّما النساء منهم، فاللغة نفسها إعتمدتها الطوائف في رفضها لقانون حماية النساء من العنف الأسري. هذه الشماعة لم تعد مقنعة فلغتهم أصبحت مهترئة ولم تعد ترهب أحد أو تقنع أحد

ومن المفيد التذكير أن المادة التاسعة من الدستور وإن كانت تُجيز تعدّد الأنظمة الطائفية، إلا أنها لا تُجيز استئثار الطوائف بنطاق الأحوال الشخصية ولا تُجيز الفراغ في القانون المدني العام كما هو حاصل. كما أن الدستور اللبناني لم يتبنّ ديناً للدولة وبالتالي إن أياً من قوانين الطوائف لا يمكنها أن تشكّل القانون العام. هذا بعض مما ورد في دراسة لمنظمة كفى أعدّتها المحامية ماري روز زلزل ستنشرها قريباً

لذلك وإنفاذاً للمادة التاسعة للدستور على الدولة واجب تشريع قانون عام موحّد للأحوال الشخصية، ومن هذا المنطلق نثمّن الموقف الصريح والمسؤول للوزيرة ريا الحسن حول هذا الموضوع

ما هو الزواج المدني؟

وكانت وزيرة الداخلية ريا الحسن قد أكدت العمل على فتح حوار جدّي حول إقرار الزواج المدني الاختياري في لبنان

موقف الحسن المؤيد لايجاد إطار للزواج المدني يتماهى في الشكل مع إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري دعم الحوار في شأنه، رغم اعترافه بحاجة المسألة الى مراحل زمنية في مجتمع طائفي معقّد

اشارة الى ان الزواج المدني هو زواج يتمّ توثيقه، وتسجيله في المحكمة التي تُطبّق الدستور والقانون بين شخصين مُسجَليّن في السجلات المدنيّة لدى الدولة أو من المُقيمين فيها، ويُعتبر أساسه إلغاء الفروقات الدينيّة، والمذهبية، والعرقية بين طرفي الزواج؛ فلا يمنع ارتباط اتباع الدين الإسلامي باتباع الدين المسيحي أو اليهودي أو العكس، ويتمّ بقبول الطرفين؛ الزوج والزوجة، وبحضور الشهود، وكاتب العَقد، ويتمتع المتزوجون مدنياً بكامل حقوقهم المدنيّة؛ الاجتماعيّة، والسياسية، والخدمية، ولا يجوز لأحد مخالفة ذلك؛ لأنه يُعتبر مُخالفة لقانون الدولة التي أتاحت هذا النوع من الزواج

الموضوع مرشّح الى مزيد من التفاعل في الايام المقبلة. فهل يسلك طريقه الى الاقرار ام يوضع في ادراج النسيان بانتظار وزير داخلية جديد يثار مجدّدا مع تعيينه؟

المصدر: Kataeb.org