عندما هربت أنجيلا من صاحب العمل -وهو رجلٌ اغتصبها وأبقاها حبيسة المنزل- لم يكن لديها أي مكان لتلجأ إليه، فاتصلت بـ شبكة سرية لإنقاذ العاملات بلبنان. لم تجرؤ على الاتصال بالشرطة؛ لأنَّها كانت تعلم أنَّ عاملات المنازل المهاجرات اللاتي يهربن في بيروت غالباً ما تعيدهن الشرطة إلى أصحاب العمل المعتدين. ولم يكن لديها أي أموال ولا جواز السفر
اغتصبني فهربت، ووقفت في الشارع لا أعرف ماذا أفعل
تقول العاملة (48 عاماً)، التي وُلدت في الفلبين: «لقد وقفت فقط في الشارع هناك ولم يكن لدي أي فكرة عما يجب أن أفعله». ثم تذكرت فجأة أنَّ شخصاً ما أعطاها رقم هاتف جماعة كنسية من شأنها أن تُساعدها، وعلى الفور اتصلت بهم. تابعت أنجيلا: «قلت لهم: (أنا في الخارج!) ثم حضروا مباشرةً إلى حيث كنت. أحضروا معهم الملابس، والصابون، والشامبو، وأشياء من هذا القبيل. حتى إنَّهم منحوني بعض المال». تتكرر قصص مثل قصة أنجيلا يومياً في جميع أنحاء لبنان، حيث تتعرض العاملات المنزليات بصورة منتظمة للاعتداء الجنسي والجسدي في أماكن عملهن. بسبب نظام الكفالة، الذي تُوظَّف عن طريقه العاملات المهاجرات، فإن وضعهن القانوني في البلد يكون مقيداً بصاحب العمل. هذا يعني أنَّهن يخاطرن بالتعرض للسجن والترحيل عند المغادرة، مما يجبرهن على طلب الدعم من خلال شبكة من المساعدين غير رسمية، ولكنها متنامية
تفاصيل عن الشبكة السرية التي تساعد المهاجرين
تتكون الـ شبكة سرية لإنقاذ العاملات بلبنان من كنائس ومجموعات من مجتمع المهاجرين، وأشخاص محليين ودودين، وغيرهم من العاملات المنزليات. ويساعد أولئك عشرات النساء شهرياً في العثور على مأوى وعمل ووسيلة للعودة إلى الوطن إذا لزم الأمر. تقول إديث، وهي عضوة في الجماعة الكنسية التي ساعدت أنجيلا: «يأتي إلينا الكثير لاجئين». يوجد على مكتبها في غرفتها المكتبية الصغيرة بالكنيسة وثيقتان بهما شهادات مكتوبة من عاملتين فلبينيتين هربتا بحثاً عن الملاذ. وفي الغرفة المجاورة، تؤدي المجموعة صلوات من أجل النساء وكانت الدموع تنهمر على وجه إحداهن. تضيف: «نحن نستمع إليهن، لقد مرت النساء بكثير من الظروف. ثم نسدي إليهن النصائح ونقدم لهن المساعدات المالية ونساعدهن في الحصول على العلاج الطبي، كذلك نعرفهن على محامٍ ليساعدهن
وتساعدهن على الهروب أيضاً
تناقلت المعلومات عن شبكة سرية لإنقاذ العاملات بلبنان التي بإمكانها المساعدة على ألسنة العاملات المهاجرات، وتساعد اللاتي هربن من أصحاب العمل المعتدين الأخريات على الهرب في الآونة الأخيرة. كذلك يتداولن أرقام الهواتف والعناوين فيما بينهن؛ ليلجأن إليها في حالة الطوارئ
أما على الجانب الآخر من البلدة، كانت هناك مجموعة مجتمعية إثيوبية تؤدي عملاً مماثلاً في البلاد
تقول عايدة، إحدى قيادات المجموعة: «نحن نشهد هروب نحو 5 سيدات يومياً
تلك هي الحالات التي نقدم لها المساعدة فقط
تضيف: «نحن نرى كل أنواع إساءة المعاملة. فالبعض يهربن من الاعتداء الجنسي أو الاعتداء الجسدي. وبعضهن لا يتقاضين مرتباتهن لمدة 3 سنوات أو 5. لا أحد يُطعمهن؛ بل إنَّ بعضهن يصبحن حوامل بعد التعرض للاغتصاب من صاحب العمل
تنطوي مساعدة تلك النساء على مخاطر كبيرة. ولكن المنظمات التي تعكف على تقديم تلك المساعدة تعمل بسرية؛ خوفاً من استهداف السلطات لها إذا كُشفت عمليات المساعدة التي تقدمها. كل من يتحدث إلى صحيفة The Guardian
يطلب الإشارة له باستخدام الاسم الأول فقط
من كشفت عن وجهها للإعلام تم ترحيلها
واجهت العاملات المهاجرات اللاتي تحدثن صراحةً في الماضي، كاشفات ما واجهن من إساءة عقوبة الترحيل. مثلاً في شهر تموز، رُحلت امرأة كينية، تعرضت للاعتداء بوضح النهار في حادث جرى تسجيله، قبل أن تُحل قضيتها. تقول إديث: «أخبرتنا الشرطة بأننا لا يمكننا التدخل، واستُهدفت إحدى المتوطعات لدينا؛ لأنها كانت تساعد عاملات المنازل». نتيجة لذلك، سادت ثقافة الصمت بشأن إساءة معاملة العاملات المهاجرات. ولم يُبلَّغ عن عدد كبير من الحالات؛ بسبب خوف الضحايا من العواقب. يعيش في لبنان ما يُقدر بـ 200 ألف عاملة مهاجرة تعملن في المنازل ويحملن وثائق التسجيل. يقول الناشطون إنَّه قد يكون هناك عدد كبير من العاملات غير المسجلات في البلاد. يأتي معظمهن من إثيوبيا وبنغلاديش وسريلانكا والفلبين وكينيا للعمل كخادمات مقيمات بالمنازل. تلقي الجماعات الحقوقية بلوم المستويات المرتفعة من إساءة المعاملة على نظام الكفالة. إذ إنَّ هذا النظام يعني أن أنجيلا خرقت القانون في اللحظة التي هربت فيها. تقول زينة مزهر، من منظمة العمل الدولية في لبنان: «حتى بعدما يتركن أصحاب العمل فإنهن لا ينعمن بحرية تامة». وتضيف: «إنهن عالقات في نظام مليء بالخلل. لا يتمكنّ من التحرك بحرية؛ خشية الاعتقال أو الترحيل. كذلك لا يتمكنّ من مغادرة البلا؛ بسبب وضعهن أو بسبب مصادرة جوازات سفرهن. إنهن في الغالب يفتقرن إلى أي استقرار مالي. واعتماداً على حظهن، يتمكن إما من إيجاد نظام دعم وإما المخاطرة بالتعرض لشكل آخر من أشكال الاستغلال». يجعل الافتقار إلى الخيارات شبكة الدعم السرية في لبنان بمثابة شريان حياة أساسي. ولكنها لا تستطيع القيام بأكثر من ذلك. تقول إديث: «أحياناً نتلقى رسائل من نساء لا تزلن محتجزات في المنازل اللاتي يعملن بها، لكن لا يمكننا مساعدتهن، ولا حتى يمكننا الوصول إليهن
المصدر
Huffington Post